- يُظهر كيف أن العنصرية والإمبريالية، الموروثة من الإنجليز، لا تزال مستمرة في السياسة الأمريكية، مما يتجلى في الأحداث المروعة في غزة، مشيرًا إلى استمرارية العقلية العنصرية.
- يستكشف العلاقة بين الفلسفة والحياة، مؤكدًا على أن الرأسمالية تشكل تهديدًا للطبيعة والبشرية، ويدعو إلى التفكير العميق في البدائل لمستقبل أكثر استدامة وعدالة.
حرب الإبادة على غزّة، بمُطلق الجبروت الأميركي، جعلتني أعودُ لاسمين محَّضهما المثقّفونَ العرب، كلَّ تبجيل، ولا يزالون يفعلون، بحُسن نيّة، دون أن ينتهبوا لِما قالا، خارج مدوّنتيهما الأدبية، وهما: والت ويتمان وهيرمان ملفيل.
الأول كان عُنصرياً وقحاً دون أدنى مواربة، فقد اعتبر أنّ السُّود أقارب للقرود، ودافع عن العبودية بأجلى معانيها. وفي الحرب ضدّ المكسيك، في منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر، لم يتردّد في وصف المكسيكيّين الأصليّين بـ"المُعتدين الذين استفزّوا أميركا"، ولهذا السبب كان للدّفاع عن نفسها، والتوسّع لنشر سعادتها على الأمّة المُفترضة المُعتدية، ألف مُبرّر ومبرّر. وقبل هذا الموقف، كان قد ذهب إلى حدّ الإشادة باستخدام بلاده للأسلحة، مُبرّراً العدوان الإمبريالي على المكسيك بالقول: "لقد حان الوقت لتحقيق العدالة. ولتُظهِر أسلحتنا المحمّلة بالعدالة أنّ أميركا، رغم أنها لا تسعى ولا تريد المشاكل، تعرف كيف تُدافع عن نفسها وكيف تتوسّع".
أما الثاني، فقال ما هو أسوأ، مثل قسّ مسيحاني لا روائي، وقد تسربل بعباءة المسيح، والمسيح منه ومن فظائع جنسه الأنغلوسكسوني براء. قال: "نحن الأميركيّين هُم الشعب المختار، نحن إسرائيل عصرنا، جئنا لنحمل سفينة الحرّيات إلى العالَم. لقد انتدب الله جنسنَا الأبيض، والبشرية تتوقّع منهم ذلك، لأشياء عظيمة. لقد ظللنا لفترة طويلة مُتشكّكين في أنّ المسيح السياسي قد جاء إلى العالَم. لكن بشارته وصلت وهي نحن".
خارج مدوّنتيهما الأدبيتين فإنّ ويتمان وملفيل مُتسربلان بالعنصرية
ومن الواضح أنّ التفوُّق العنصري، يتم التعبير عنه على جميع المستويات، ويمنح مكانة خاصة للتفوّق الأخلاقي الموهوم، وهو ما ستفتخر به الولايات المتّحدة كثيراً. نعم التفوّق الأخلاقي في قتل وإبادة المدن وسرقة الأراضي والغزو والنهب.
لقد ورث مؤسّسو الولايات المتّحدة، مع بعض مثقّفيها، هذه العنصرية من الإنكليز، حتى أصبحت "حسّاً سليماً" لدى السكّان البِيض في تلك البلاد المنهوبة، وهو شعور عنصري لا يزال مستمرّاً حتى يومنا هذا. وآخر دليل له هو إفناء غزّة.
■■■
العالَم مادّة لدفتر المُلاحظات. العيش المُثقّف عملٌ للملاحظة الدّؤوب. والملاحظة نقدٌ للعالَم: جهدٌ يُمكن تنفيذُه من خلال التحليل النفسي، أو الاستبطان الشخصي، أو التأمُّل، في الداخل والخارج. ومع الوقت والخبرة، يتيسَّر للمرء أن يعرف بعض العالَم ويعرف بعضَ نفسه، أي يُحقّق ما طلبه عظيمان سابقان من محيطهما البشري العرمرم: سقراط ومعرفة النفس، وماركس وتغيير العالَم.
وبناءً على ما تقدّم، قد يفهم بعضُنا أنّ الحياة صعبة، لكنّ الفهم المُبكِّر لها، هو أيضاً وسيلة لعُبور عتبة الفلسفة، حتى لو اهتززنا بسبب ذلك. الحياة صعبة، لكنّ الشِّعْر مُحتال عظيم، ويجدُ في الغالب مدخلاً أو مسرباً للهرب منها، حتى لو لم يبزُغ في أعلى وأشدّ اللحظات كثافة.
إنّ العالَم مُتّحِد المركز: مُعقّدٌ كأذرعة الأخطبوط، ويتم تقديمه أحياناً في دوائر أو في زوبعة من الكلمات.
إن الرأسمالية أمرٌ كارثي من وجهة نظر الطبيعة، بالمقام الأول. لأنّ النمو اللّانهائي مُستحيلٌ في عالَم محدود بموارد محدودة. كما أنّه مصدرُ استياء دائم لأولئك الذين لا يرضون أبداً بما في أيديهم، وبما رسمت المُخيّلة. وقد يُفهم أيضاً، أنّ الرأسمالية لو عاشت مئة سنة زيادة، فإنّ كلّ شيء مُهدّد بالخراب: الطبيعة أولاً، ومن ثم البشر. وعليه، قد يحدث ويتوصّل إلى هذه النتيجة المُزلزِلة: الرأسمالية جنازة المستقبل. كلُّ صوت رأسمالي جَشِعٌ، هو ابتذال جنائزي.
* شاعر فلسطيني مُقيم في بلجيكا