في عام 2017، كانت موضوعة "الشرق الأوسط من عام 1876 إلى عام 1980" حاضرةً كواحدٍ من المحاور الأساسية التي كان على الراغبين باجتياز الامتحان الوطني لمعلّمي الثانوية في التاريخ أن يتقنوها، إذا ما أرادوا الحصول على منصب لتعليم التاريخ في واحدٍ من مدارس فرنسا.
حينها، اقترح أحد القائمين على اللجنة التعليمية المسؤولة عن الامتحان على الباحثة الفرنسية السورية، ليلى سورا، إعداد أنطولوجيا من شأنها مساعدة حاملي الماجستير في التاريخ على الوصول إلى مصادر ونصوص عربية لم تكن متاحةً بالفرنسية، وهو ما بدأت الباحثة، التي تعمل في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في باريس، بالشروع فيه، لكنّ المشروع بدا أضخم وأعقد ممّا كان يُتَوَقّع، ما استدعى توسيع دائرة النصوص المترجمة إلى المغرب العربي، والاستعانة بأقلام أُخرى ساعدت سورا في مهمّتها، ترجمةً وتحريراً، وفي مقدّمتها أستاذة التاريخ في "جامعة بروكسل الحرّة"، جيهان صفير.
في كلّية الآداب بـ"جامعة السوربون" بباريس، وبدءاً من الرابعة من عصر بعد غدٍ الجمعة، تُلقي سورا وصفير، إلى جانب الأستاذة في "مدرسة العلوم السياسية" بباريس، لميس عزب، محاضرةً حول الأنطولوجيا التي صدرت نهايةَ العام الماضي تحت عنوان "كتابات سياسية عربية: أنطولوجيا من المشرق والمغرب في القرن العشرين"، لدى منشورات "المركز الوطني للأبحاث العِلمية".
وتتحدّث المُشارِكات عن مضمون الكتاب الذي يسعى إلى تفنيد بعض من المقولات والتصنيفات المتعجّلة حول الفكر السياسي العربي، والتي تنظر إليه، ولا سيّما في فرنسا، نظرةً جامدة تقسّم المشهد إلى خانات تحكم مَن يُصنَّفون فيها حُكماً شبه هوياتي، بين قوميين وليبراليين وإسلاميين وغيرهم.
بدلاً من ذلك، يهدف الكتاب، كما نقرأ في مقّدمته، إلى "التركيز على الحقيقة المركّبة والتنوّع اللذين تتّصف بهما تيّارات الفكر العربي منذ النهضة"، وإلى "إعادة وضع هذه التيّارات داخل سياقها السياسي، من أجل فهم أفضل لتأثيرها وللنحو الذي نشأت من خلاله".
يتوزّع الكتاب ــ الذي يتوجّه إلى الطلّاب المختصّين بالدراسات العربية وإلى عموم المهتمّين بمنطقتنا وتاريخها وفكرها ــ على أربعة محاور، هي: حُدود الأمّة؛ ومُمارسة الحُكم السياسي؛ والاستقلال الاقتصادي والتنمية؛ والنقد الذاتي.
محاورٌ تتوزّع فيها عشرات النصوص المقتطفة أو الكاملة، لمفكّرين وكتّاب وصحافيين ومفكّرين عرب معروفين وآخرين أقلّ شهرةً اليوم لدى عموم القرّاء، حتى في العالَم العربي. مع العلم أن أغلب هذه النصوص لم يسبق أن تُرجم إلى الفرنسية من قبل.
من الأسماء التي يوفّر العمل (400 صفحة) نصوصاً لها، يحضر على سبيل المثال كلٌّ من طه حسين وساطع الحصري وعبد العزيز الثعالبي وشكيب أرسلان وعبد الرحمن البزاز، إلى جانب نصوص وخطَب لبعض من الشخصيات السياسية (أحمد بن بلّة وجمال عبد الناصر وجورج حبش وميشيل عفلق...)، والعديد من المفكّرين، أمثال إلياس مرقص وحسن حنفي وعبد الله العروي وبرهان غليون وإدوارد سعيد ومحمد أركون وصادق جلال العظم.