تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "تبنَّيتُ قضايا مثل حقوق الإنسان والحرية والسلام بسبب البلد والفترة والظروف التي ولدتُ فيها"، يقول الروائي والموسيقيّ التركي لـ"العربي الجديد".
■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- تركيا لديها تقاليد ثقافية غنية ومتنوّعة. لقد أنتجَ القصر العثماني ثقافةً عاليةً ومختلفةً تحت تأثير اللغة العربية والفارسية. من ناحية أخرى، كان للناس أسلوبٌ ثقافيٌّ مختلف في كلِّ منطقة جغرافية. بالإضافة إلى ذلك، قام الشعراء الشعبيون بتأليف القصائد التركية لمدة 700 عام. بعد انفتاح القرون الماضية وفترة الجمهورية على الحضارة الغربية، اختلطت كلُّ هذه التأثيرات معاً وظهرت توليفات جديدة. لذلك، من الصعب جداً ملاءمة البيئة الثقافية في تركيا مع أي معيار.
■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
- أحاول في أعمالي الخوض في الأعماق النفسية للناس بشكلٍ عام، وأحاول عرضَ الظروف الخارجية التي تؤثّر عليهم. لأنّه لا أحد يعيش في الفراغ، وما يحدث حولنا، في بلدنا، وفي العالم، يؤثّر على الجميع. أعتقد أنَّ رواياتي تعكس هذين العالمين الداخلي والخارجي معاً.
■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- في هذه الأيام، أفكّر في الانتخابات المهمّة في تركيا، وأتساءل: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلَّ محلَّ الإبداع البشري؟ كما أفكّر في ظاهرة الهجرة التي هي موضوع العديد من رواياتي، وأفكّر في روايتي الجديدة.
التهديد الأكبر للكتاب يأتي من النظر إليه كمجرد سلعة
■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
- أحبُّ روح الضيافة والتضامن في ثقافتنا الأناضولية. لكنَّ تركيا بلدٌ مختلطٌ للغاية. إلى جانب الأشخاص الطيبين، هناك أيضاً العديد من الأشخاص الوقحين والمتوحشين، الذين يبحثون عن أنفسهم فقط. إذا استطعتُ، سأجعل الجميع "شخصاً جيداً" أولاً.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- روبرت فروست لديه قصيدة يقول فيها: "أثناء عبور الغابة، انقسم الطريق إلى اثنين، واخترتُ أقلَّهما استخداماً". كنت أتجه دائماً إلى مثل هذه المسارات، واخترتُ حياة أكثرَ صعوبة وغير نمطية. وإذا عدتُ إلى البداية، كنتُ سأذهب في هذا الطريق مرّة أخرى.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- هناك أشياءٌ كثيرة. مثل عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يوجد رجالُ أعمال لديهم مئات المليارات من الدولارات في حساباتهم، ومليارات الأشخاص يدمرهم الفقر ولا يمكنهم الحصول على الصّحة والتعليم والطب. مع هذا الخلل، لا يمكن لأحد أن يمنعَ الهجرة الجماعية. بالإضافة إلى حروب تقاسم موارد العالَم، وتأجيج النزعة الفردية، وانخفاض الإحساس بالتضامن، وتحيُّزات الشعوب ضد بعضها البعض. أيُّ مشكلة ينبغي أن أتحدث عنها! هناك الكثير من المتاعب في العالم.
ما يحدث حولنا، في بلدنا، وفي العالم، يؤثّر على الجميع
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- هنالك العديد من الشخصيات التي أودُّ لقاءها. على سبيل المثال، أتمنّى أن أتحدّث مع تولستوي وأن أستمع إلى أفكاره.
■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- يأتي التهديد الأكبر من تصوُّر الكتاب على أنّه مجردُ منتجٍ، تريد دور النشر الكبيرة بيع هذا "المنتج". حتى في البلدان الغربية، عندما تنظر إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، لا يمكنك حتى العثور على أثرٍ لعمل أدبي. يتم نشر كتب رديئة ويُروَّج لها على أنّها كتب جيدة للجماهير. بالطبع هناك رقابة خارجية ورقابة ذاتية. تريد بعض الحكومات قمع الفنون والثقافة.
■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- الكتابة مهنة، والقضية غاية. قد لا يكون لكلِّ كاتب قضية. هناك كُتَّاب عظماء يهتمون فقط بجماليات الكتابة. إنها مسألة اختيار شخصي. أما أنا فقد تبنَّيتُ قضايا مثل حقوق الإنسان والحرية والسلام بسبب البلد والفترة والظروف التي ولدتُ فيها.
■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- يقوم المترجمون بإعادة بناء العمل بلغتهم الخاصة. في هذا الصدد، فإن الترجمة عملٌ إبداعيٌّ بالغ الأهمية. لقد مررتُ بتجارب محظوظة ومؤسفة في هذا الصدد. على سبيل المثال، أُعيد ترجمة أحد كتبي المنشورة في تايوان وفي بكين، وعندما سألتُ عن السبب، قالوا إنَّ الترجمة التايوانية سيئة للغاية. لهذا فشلت روايتي "السعادة" في تايوان، ونجحت في الصين.
اللغة الأم بالنسبة للكاتب هي القماش بالنسبة للخياط
■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
- بالنسبة لي، اللغة الأم هي الوطن الأم، وحليب الأم. أعرف بعض اللغات الأجنبية، لكن اللغة الأم بالنسبة للكاتب هي القماش بالنسبة للخياط.
■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- لم يُنسَ الكثير من الكتاب والشعراء، لكنّي أتمنى أن يُقرأ يحيى كمال أكثر.
■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- لا أظن أنَّ مثلَ هذا الاحتمال سيحدث، ولكن إذا حدث ذلك، أتمنى أن يُقال إنّه قد ذهب إلى أبعد ما يمكن فيما يتعلق بمستوى تقدُّم البشرية، وأن يُدرك هؤلاء القرّاء مدى حظّهم وهم ينظرون إلينا. لقد تأخرنا للغاية في قضايا مثل حقوق المرأة، وحقوق الحيوان، وتوزيع الدخل.
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- إنه لمن دواعي سروري أن أُنشرَ بلغة عالمية كبرى مثل اللغة العربية. أودُّ أن أشكر ملاك دينيز أوزدمير وأحمد زكريا على الجهد الذي بذلاه في ترجمة أولى رواياتي إلى العربية، وهي "فندق القسطنطينية". اللغة العربية لغة شعرية وثقافية، والشعر يملك قوة تعبيريّة عالية للغاية. لقد أسعدني هذا الحوار كثيراً. أقدّم احترامي وحبّي للقرّاء العرب.
بطاقة
Zülfü Livaneli روائي وموسيقي تركي من مواليد 1946، سُجن بسبب أفكاره السياسية عام 1972، وبعد خروجه عاش لسنوات طويلة في المنفى. ويعيش حالياً في إسطنبول. يعدُّ من أبرز الأسماء التركية في مجالات الأدب والموسيقى والسينما. حصل على العديد من الجوائز التركية والعالمية في هذه المجالات. من رواياته: "السعادة"، و"الجزيرة الأخيرة"، و"على ظهر النمر"، و"ضباب" و"فندق القسطنطينية" التي ترجمت مؤخراً إلى العربية. قام بكتابة سيناريو وإخراج العديد من الأفلام التركية، أبرزها "الأرض حديد والسماء نحاس"، المُقتبس عن رواية بنفس الاسم ليشار كمال، و"شاهمران"، و"الوداع". تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات.