صوت جديد: مع أنس رجاء أبو سمحان

15 مايو 2022
(أنس رجاء أبو سمحان)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "علاقتي بمَن سبقوني هي علاقتي بمَن يعاصرني: القراءة"، يقول الكاتب والمترجم والباحث الفلسطيني لـ"العربي الجديد".



■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- تستدعي صفة "الجديدة" هنا حالة زمنية خطّية وتُصنِّف، ضمنًا، كلَّ ما قبلها كتابة قديمة، وعلى هذا المنوال، تَصير الكتابة الآن جديدة، وهي نفسها تصير لاحقًا قديمة، ولكنّ هذا ليس صحيحًا، على الأقل بالنسبة لي، حيث شهدنا كُتّابًا ليسوا أحياءً الآن، لكنّهم غاصوا في أنماط الكتابة "الجديدة" أكثر من المعاصرين. لذا، أفضِّل استخدام الكتابة التجريبية، الكتابة خارج الجنس القائم، وأن نعمد كما قال أدونيس إلى التمييز بين النصوص بناءً على درجة حضورها الإبداعي، وليس بناءً على قائمة مسبقة الإعداد من العناصر الواجب توافرها في النَّص ليستحقَّ لقب "نصّ أدبي" أوّلًا أو ضمن "جنس أدبيّ" مُعترَف به ثانيًا.


■ هل تشعر نفسك جزءًا من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- بالطّبع، وإن كان هذا الجيل كلّه يدّعي الرفض والتمرّد ضدّ فكرة "الانتماء"، إلّا أنّ ما يجمعه هو هذا المَلمح القائم على رفض المؤسّسة والتمرّد على الأشكال المعروفة للأدب والفن عمومًا، وأعتقد أنّ للثورات العربية دورًا كبيرًا في تشكيل حالة الـ"لا" عند هذه الأجيال، إذ أراهم أكثر من جيلٍ فوق بعضهم البعض.


■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- كما أشرتُ أعلاه، فأنا لا أصنّف الأمر زمنيًا، فقد ينتمي كاتب مات منذ 100 عام إلى الجيل الحالي، والعكس صحيح، وعلاقتي بمَن سبقوني هي علاقتي بمن يعاصرني: القراءة، ثم البحث عن إمكانيّات النصوص في نصوصهم، ثمّ القراءة مرّة أُخرى، فلا تجاوز ولا تفوّق من وجهة نظري، إلّا من بعد إتقان، وإتقان الكتابة، هو بالضرورة إتقان للقراءة.

الترجمة دافع للقراءة بلغة أجنبية وتأجيل فعّال ومُثرٍ للكتابة

■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- من ناحية القراءة والاطّلاع والمُتابعة، فهي حيويّة وموجودة، أمّا من ناحية الحُضور في الوسط الثقافي والتفاعُل معه، فهي شِبه معدومة لانقطاعي عن المكان.


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟

- مجموعتي القصصيّة الأولى "صندوق رمل" جاهزة منذ عام 2019، ولكنّها لم تُنشر بعد، وقد تَرجمتُ في عام 2020 كتاب "فلسفة القهوة"، ونُشر في العام نفسهِ (كان عمري وقتها 27 عامًا)، وفي عام 2022، نُشرت أوّل رواية من ترجمتي: "قطار إلى باكستان" للكاتب الهندي كوشوانت سينغ، وقد عملتُ على ترجمتها بين عامي 2018 و2019.


■ أين تنشر؟

- أنشر ما أكتب وما أُترجم بشكلٍ أساسيٍّ على مدوّنتي الشخصية، وفي عددٍ من المواقع والمجلّات والصحف العربية على الإنترنت.


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- قضيتُ فترة طويلة من حياتي وأنا أقرأ الكتاب الأكثر ترشيحًا أو الكتاب المُتاح لديّ، ولكنْ في السنوات الأخيرة، وبعد اطّلاعي على فوائد القراءة المنهجية، صارت القراءة عندي عملًا وانشغالًا بحيث أختار ما أقرأ بعناية، وبما يضيف إلى المرحلة التي أمرّ بها، ولكن يجدر بي التوضيح إلى أنّ العملية ليست آليّة تمامًا، فبين الفينة والأُخرى أقرأ عشوائيًا أو عفويًا لكسر الروتين ولكي لا أعلَق في صوتٍ واحد.


■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟

- بصفتي مُترجمًا أيضًا، فأنا أقرأ باللغة الإنكليزية إلى جانب العربية. ولعلّ هذا أحد أسباب لجوئي إلى الترجمة، فهي دافع قويّ للقراءة باللغة الأجنبية، وتأجيل فعّال ومُثرٍ للكتابة.


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرجم أعمالُك؟

- لترجمة بالنسبة لي لا تقلّ أهميّة عن الكتابة، وأراها فعل كتابة أو فعل إعادة كتابة بلُغة أخرى، فأنا وعند قراءتي لقصّةٍ أو لنصٍّ بديع باللغة الإنكليزية مثلًا، تنتابني حالة مثل حالة الامتلاء لحظة الكتابة، وتصيبني حكّة من نوعٍ خاص، وأتساءلُ، كيف سيبدو هذا النّص باللغة العربية؟ وبعدها آخذ بالكتابة/بالترجمة.

أمّا بخصوص رغبتي بترجمة أعمالي، فهنا سأجيب بـ"لا" كبيرة. على الأقلّ تكون هذه الـ"لا" مدوّية في لحظة الكتابة نفسها، وقد وصلتُ إلى هذه القناعة بعد اطّلاعي على فنّ المقامات، والتي لم يفكّر مَن كتبها أو قالها في لحظتها بالترجمة إطلاقًا، وهو ما دفعهم لاستنفاد إمكانيّات اللغة العربية الفريدة والكثيرة لأنّهم كانوا يكتبون لجمهورٍ عربيّ بالكامل، ولم يفكّروا بالترجمة إطلاقًا، أمّا عندما نُفكّر بالترجمة في لحظة الكتابة، فقد يؤثّر هذا على قدرات النصّ وعلى "القارئ الافتراضي" في المُخيّلة، وهو ما سيولّد حتمًا نصَّا ركيكًا مُنهكًا يُفكّر كاتبه باللغة الأجنبية أحيانًا وفي تسهيل مُهمّة المُترجِم قبل أن يُفكّر في الكتابة كفعل تدفُّق. 


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟

- لأكون صادقًا، أميل مؤخّرًا إلى كتابة المقالات أو النصوص غير مُحدّدة الجنس، والتي أُضفي عليها لقب "قصّة" أحيانًا بعد انتهائي منها، ولكن بشكل عامٍ، أضع حاليًّا اللمسات الأخيرة لمجموعتي الثانية "لستُ كما وجدتُني"، ولم أُفكّر بالنشر بعد، فانشغالي الحقيقي الآن يتمثّل في الكتابة، والحذف. 

خرجتُ في الفترة الماضية في إجازة، بِنيّة الشروع في كتابة أوّل رواية لي، وقد بدأتُ بالفعل، لكنّ هذا المشروع لن يكون جاهزًا قبل وقتٍ طويل، وتأجيل مُستمرّ، وهو ما يعيدني إلى نقطتي الأولى في هذا السؤال، وأُشغل نفسي بـ"الإنتاج"، كتابة وترجمةً، أكثر ممّا أُشغل نفسي بالإصدارات.



بطاقة

أنس رجاء أبو سمحان، كاتب ومُترجم وباحث فلسطيني من مواليد غزّة عام 1993، مُقيم في الدّوحة، يحمل درجة الماجستير في الأدب المقارن من "معهد الدّوحة للدراسات العُليا"، وتتركّز اهتماماته البحثية حول موضوعَي: الرّواية وتفكيك/ إنهاء استعمار العقل واللغة. صدرت بترجمته رواية "قطار إلى باكستان" عن "دار البشير" في مصر عام 2022، وكتاب "فلسفة القهوة" عن "دار شفق" في الكويت عام 2020، وتصدر قريبًا مجموعته القصصية الأولى "صندوق رمل".

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون