رحيل هشام جعيّط: ثمانون عاماً مع التاريخ الإسلامي والثقافة العربية

01 يونيو 2021
هشام جعيّط في بورتريه لأنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

بأعمال مثل "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" (1992)، و"الكوفة: نشأة المدينة العربية والإسلامية" (1986)، و"في السيرة النبوية" (ثلاثة أجزاء بين 1999 و2014)، و"تأسيس الغرب الإسلامي" (2004)، و"أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة" (2007)، و"الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي" (1984)، و"أزمة الثقافة العربية" (2000)، قدَّم المفكّر والمؤرّخ التونسي، هشام جعيّط، الذي رحل عن عالمنا اليوم الثلاثاء في تونس العاصمة عن ستّة وثمانين عاماً، واحداً من أكثر المشاريع ثراءً في المكتبة العربية؛ مشروعٌ زاوَج فيه بين خطَّين متوازيين اهتمّ الأوّلُ بـ التاريخ الإسلامي، وخصوصاً الإسلام المبكّر والسيرة النبوية، والثاني بالنقد الحضاري لواقع الثقافة العربية.

أبصر جعيّط (1935 - 2021) النور في عائلة تضمُّ العديد من المثقّفين والقضاة وكبار المسؤولين؛ مثل جدّه الوزير الأكبر يوسف جعيّط، وعمّه الشيخ محمد عبد العزيز جعيّط. وهذه البيئة هي التي أسهمت في تكوينه الثقافي والعلمي، بدءاً من "المدرسة الصادقية" في تونس العاصمة، ووصولاً إلى العاصمة الفرنسية؛ حيث حصل على شهادة التبريز في التاريخ عام 1962 من "جامعة السوربون"، ثمّ على دكتوراه في التاريخ الإسلامي من الجامعة نفسها عام 1981.

وخلال مساره الأكاديمي، درّس في عدّة جامعات عربية وأجنبية؛ من تونس إلى القارّة الأوروبية إلى أميركا الشمالية، كما تولّى رئاسة "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون" (بيت الحكمة) بين 2012 و2015، واختير عضواً في "الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون". وبالموازاة مع ذلك، أصدر العديد من الأعمال (يكتب بالفرنسية ويُترجمها بنفسه إلى العربية) التي حفرت، بنبرة نقدية، في جذور الحضارة العربية الإسلامية، ضمن أسلوبٍ يتخفّف من ثقل الأسلوب الأكاديمي من دون أن يتخلّى عن صرامة المناهج العلمية.

وكانت لجعيّط أيضاً مواقفه النقدية من الاستشراق؛ وهي مواقف عبّر عنها في كتبه ولقاءاته الصحافية، من بينها حوارٌ مع "العربي الجديد" رأى فيه أنَّ "أغلب المستشرقين الكلاسيكيين لم يؤلّفوا كتباً قيّمة وجديرة بالاهتمام عن السيرة النبوية. ومعظم مؤلّفاتهم الصادرة عن هذين الموضوعين، لا تعتمد على المناهج العلمية، بل تستغلّ رغبة الآخر في الاطّلاع على الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية، ليقدّموا مؤلّفات تهتمّ بالحديث عن الدين أكثر من علم الأديان وتاريخ القرآن وتاريخ السيرة النبوية".

وأكثر من ذلك، يرى أنَّ المستشرقين الكلاسيكيّين على وجه الخصوص، قاموا "بدور في ترويج صورة خاطئة حول الإسلام من خلال مؤلّفات تفتقر إلى الدقّة وبلا فائدة عِلمية تُذكر".

انسحب هشام جعيّط من الحياة الثقافية في السنوات الأخيرة؛ حيث قلّ ظهورُه الإعلامي، وأقلّ أيضاً من إصداراته، وهو الذي دأب على نشر مؤلّفاته بشكل منتظم، وكان آخرها كتابه الصادر العام الجاري باللغة الفرنسية عن "منشورات سيريس" في تونس تحت عنوان "التفكير في التاريخ، التفكير في الإسلام"، والذي بدا فيه وقد أخذ مسافةً من انشغالاته بالتاريخ، مقترباً من الفلسفة التي أضاء من خلالها على مواضيع مثل أثر التنقُّلات البشرية، من هجرات وغزوات وترحيل، على صناعة التاريخ وعلى البنى الاجتماعية وأنماط السلوك ومسارات الأحداث، وعلاقات الغرب والشرق من زاوية دينية، تتفحّص صورة الإسلام في الأوّل وصورة المسيحية في الثاني.

أجرى "العربي الجديد" حوارًا موسّعًا مع المؤرخ الراحل في عام 2015، يمكن الاطلاع عليها هنا:

وقابَل هذا الانسحابُ الذي لعب فيه العُمر الدور الأساسيَّ احتفاءٌ لافتٌ بالمفكّر والمؤرّخ التونسي في السنوات الماضية، قلّما حظي به مؤرّخون ومفكّرون خلال حياتهم؛ من ذلك اختيارُه من قِبل "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت "شخصية العام الثقافية" في 2016، وهي السنة التي احتضنت فيها مدينة صفاقس التونسية تظاهرة "عاصمة الثقافة العربية".

وفي السنة نفسها، نظّم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، فرع تونس، يوماً دراسياً حول جعيّط، جرى فيه تقديم قراءات من مجالات متنوّعة، مثل التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع، حول أعماله. وقد صدرت تلك الأوراق، إلى جانب أوراقٍ أُخرى، عام 2018، في طبعة مشتركة بين "المركز العربي" و"منشورات سوتيميديا" ضمن كتاب جماعي بعنوان "جدل الهوية والتاريخ: قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيّط"، قام بتنسيقه وإعداده لطفي بن ميلاد.

أيضاً يُمكن الإشارة، هنا، إلى الندوة التي أُقيمت في "دار الكتب الوطنية" بتونس العاصمة، بعنوان "هشام جعيّط ورهان الفكر التاريخي العربي"، وتضمّنت ثلاث محاضرات تناولت جوانب مختلفة من فكر صاحب "تأسيس الغرب الإسلامي"؛ مثل جدل الهوية والتاريخ، والوعي بالمتخيَّل التاريخي.

المساهمون