تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث والعشرون من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد المخرج السينمائي المصري عاطف سالم (1921 – 2002).
ذهب عاطف سالم، الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده، في فيلم "صراع في النيل" (1959)، إلى مغامرة إخراجية حين صوّر العمل كلّه على سطح مركبٍ، قضى فيه الفريق حوالي أربعين يوماً من العمل المتواصل، ليصبح علامة في تشكّل تيار الواقعية في السينما المصرية.
ساهمت عوامل عديدة في نجاح الفيلم وتحقيقه إيرادات عالية بالتوازي مع إشادة النقّاد به، سواء في تناول قصة بسيطة في أحداثها وحبكتها المستمّدة من الواقع حول العاملين في النقل النهري، أو في الممثلين بوجود أسماء مثل هند رستم وعمر الشريف ورشدي أباظة، غير أن توقيع العمل باسم المخرج السينمائي المصري (1921 - 2002) كان يعني الكثير في تلك الفترة.
لم يستهو التمثيل الشاب عاطف سالم، المولود في مدينة الأبيض بالسودان لأب كان يعمل ضابطاً في الجيش المصري، إذ سرعان ما التحق بالعمل مساعداً ثالثاً لعدد من المخرجين منذ بدايات الأربعينيات ومنهم أحمد جلال وأحمد بدرخان، ما أكسبه خبرة مهمّة في التعامل مع الفنيين وشركات الإنتاج، وقدرة على تقديم رؤيته المغايرة بشكل مدروس ومنضبط، بدءاً من مشاركته في كتابة السيناريو وصولاً إلى تنفيذ أدق الأمور وأصغرها شأناً في مراجل التصوير والمونتاج، كما برز في فيلمه الأول "الحرمان" عام 1953، حين كان من أوائل صنّاع الأفلام المصريين الذي انتقلوا بالكاميرا إلى الشارع.
امتلك حساسيته عالية في التقاط جميع عناصر الفيلم وفهماً أعمق لصناعة السينما
وصعد اسمه منذ وقوفه لأول مرة خلف الكاميرا، وقدّم العديد من الأفلام التي ستتفاوت النظرة تجاهها، قبل أن يخرج في العام نفسه فيلميْ "صراع في النيل" و"إحنا التلامذة" ويعززان حضوره الجديد، حيث كتب نجيب محفوظ سيناريو الفيلم الثاني عن قصة لكامل يوسف وتوفيق صالح، حول ثلاثة شباب يرتكبون جريمة قتل، وتبيّنت في هذا العمل تحديداً قدرات سالم في رسم الشخصيات وتوجيهها.
أُضيف فيلم ثالث كرّس بصمة سالم واختلافه، وهو "خان الخليلي" (1965) المقتبس عن رواية نجيب محفوظ التي تحمل العنوان ذاته، وقام بكتابة السيناريو له محمد مصطفى سامي، واعتُبر من أهم الأفلام المقتبسة عن روايات محفوظ، في ظلّ تكامل عناصره وخاصة التصوير وأداء الشخصيات والديكور الذي تفاجأ كثيرون بقربه من الحيّ الشعبي الذي تدور فيه الأحداث، وغيرها من العناصر التي ساهم في تشكيلها مخرج الفيلم.
رغم أن صاحب "حافية على جسر الذهب" (1976) لم ينل الشهر نفسها التي حقّقها مجايلوه، وفي مقدمتهم يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ، ولم تُدرس تجربته في مؤلفات مثل التي تناولت تجارب هؤلاء، إلا أن حساسيته العالية في التقاط جميع عناصر الفيلم، وفهمه الأعمق لصناعة السينما أكثر من اهتمامه بالإخراج فقط، جعلته يحتفظ بمكانة خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، تعكسها أفلام مثل "أم العروسة" (1963)، و"المماليك" (1965)، و"أين عقلي" (1973)، و"مضى قطار العمر" (1975)، و"البؤساء" (1978)، و"النمر الأسود" (1984)، وغيرها.
لم تسر الثمانينيات مع عاطف سالم كما مضت الأيام السابقة، سواء في ظروف إنتاج العديد من الأفلام التي أخرجها ضمن إمكانيات أقل، أو مشاكل تنفيذها، لكن التسعينيات ستكون الأسوأ بالنسبة إليه من حيث الكم والنوع، وأتت تصريحاته الصحافية كلّها في تلك الفترة تعبيراً عن إحساسه المتعاظم بالخذلان ونكران العديد من الفنانين الذين عملوا معه لفضله وجهوده، وربما تزامن ذلك مع فقده لكثير من أدواته المميزة وعدم قدرته على التجديد مثل حال العديد من المخرجين المنتمين إلى تيار الواقعية.