حكمة أمي

20 اغسطس 2024
امرأة فلسطينية بين الأنقاض في رفحK كانون الثاني/ يناير الماضي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- كانت والدتي تجسد الحكمة والتواضع والصدق والوفاء، وهي صفات لم أجدها في التراث الغربي.
- الحكمة التي تعلمتها منها تعني احترام قوانين الطبيعة وتطبيق المعرفة والخبرات في الحياة اليومية.
- رغم الظروف الصعبة، كانت والدتي تزرع وتربي الدواجن بحب وإنسانية، وعلمتني احترام جميع الكائنات.

الله يرحمك يَمّه. كان في لسانك من الحكمة والتواضع والصدق والوفاء ما لم يعطني إيّاه التراث الغربي كلّه، من سقراط حتى آخر مُتشدّقٍ ومتحذلقٍ، اليوم. ليست هذه مبالغات، فمن قال إن الحكمة تردنا من الغرب أصلاً؟

إنها بكل حال ليست حكراً على علمائهم آكلي ورق الكتب، أو فلاسفتهم الذين يكتبون حتى لا يفهم أحد، وبعضهم متكبّر وأناني وكاذب مثل هذا البائس هنا، أو ذاك هناك.

الحكمة التي أقصدها هي إكسير الحياة المستقى من خلاصاتها. كانت أمي حكيمة في التفكير وتفسير الحياة: حكيمة في القدرة على تطبيق المعرفة والخبرات مع الحجر والبشر والحيوان والطير. حكمة منتقاة ومستقاة من خبرات أسلافها، ومن خبرة المعيش كذلك.

تعني الحكمة قبل كل شيء احترام القوانين التي تشعها الطبيعة إلينا

الحكمة التي تعني قبل كلّ شيء احترام القوانين التي تشعّها الطبيعة إلينا، وطريقة العيش المنظّمة فيها، معها ومن أجلها. ليس هناك سبب لوجودنا أكثر من تسخير حياتنا لفضاء الطبيعة، الذي يمنح مكانة الحياة لجميع الكائنات ساكنة الكوكب، سواء كانت قارّة على التراب، أم سابحة في الفضاء والماء المالح.

كانت، وهي الفلاحة السابقة، قد تركت وراءها أملاك أب تزيد عن ألف دونم، وبعد الهجرة تزوّجت أبي، زوجة ثانية، وكان يملك حوالي 367 دونماً في نِجِد. لهذا حاولت أن تزرع وتربي دواجن، في بيت صفيح، أخذوه من الشارع، لا يكاد يبلغ المائة متر.

لقد عاملتنا ونحن صغار كما تعامل صغار البط والدجاج والغنم وعِرْق النعنع، أي بكل ذلك الحب وبكل تلك الإنسانية الموروثة.

مرّة ضربتُ ديكاً نقرني، فوبّختني، ومنها تعلّمت احترام كل كائنات الله، من بشر وحيوان وسابح ونبات. هكذا كانت. الله يرحمك يَمّه.

* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون