- "الصورة من وجوهها الأُخرى" يغوص في الأدوار المتعددة للصورة من منظورات اجتماعية وفلسفية، مسلطًا الضوء على كيفية استخدام الصور في الإعلام والصحافة لتشكيل الوعي الجمعي.
- يركز الكتاب على أهمية النقد النقدي للصور، مؤكدًا على قدرتها على تكوين سرديات كاذبة وتأثيرها العميق على فهم الصراعات والحقائق في العصر الحديث.
يزدادُ حضور الصورة في الواقع الإنساني الحديث وتتعاظم أدوارها في مجالات الحياة المتعدّدة، ويشتدّ الجدل بشأنها في زمن الصراع والحروب، حيث تُستخدم سلاحاً من أجل تشويه الحقائق والسيطرة على السردية، مثل ما يتجلّى حالياً في حرب الإبادة الصهيونيّة التي تستهدف الشعب الفلسطيني في غزّة.
ينشغل كتاب "الصورة من وجوهها الأُخرى" لمؤلِّفه حسام شاكر، الصادر حديثاً عن "مكتبة الأسرة العربية" في إسطنبول، بموضوع الصورة من زوايا اجتماعية وفلسفية ونفسية متعدِّدة، ولا سيّما الصورة القادمة من غزّة، إذ يطوف عبرها بقارئه نحو إدراك سياقات الصورة والقصص التي تقبع خلفها.
ليست الصورةُ دائماً المشهدَ الواقعي الذي تزعم تمثيله أو تصويره
يُعدّ شاكر من المشتغلين على تحليل الصورة والسلوك المصوَّر من وجوه متعدّدة. والكتاب مُساءَلة للصورة في منشئها وتمريرها ونشرها ووقعها واستعمالاتها وسياقاتها؛ حيث لا يتردّد المؤلّف في اعتبار أنّها ليست هي المشهد الواقعي الذي تزعم تمثيله أو الانتساب إليه، وإن تحرّت الأمانة في النقل. فالصورة "تبقى اجتزاءً محسوباً من مشهد مُعَيّن، وانتقاءً محدّداً من الزمن الواقعي الذي استُلّت منه، وقد تكون الصورة في ثباتها تكليساً للحظة مخصوصة أو أنّها تُمثِّل في مشهدها المرئي اقتطاعاً زمنياً محدّداً وإن جاء بالبثّ المباشر. وتقوم الصورة، بطبيعتها، على انتقاء مُتحيِّز في موضوعها ومضمونها، عبر اختيار موضوعٍ دون سواه ومَشهدٍ للعرض دون غيره، وقد يتفاقم التحيُّز بالاختيار المحدّد لزاوية الالتقاط وللمؤثِّرات البصرية ذات الصلة".
وفي ظلّ حرب الإبادة الإسرائيلية المباشرة في غزّة، والتي نراها على شاشات التلفزيون والهواتف المحمولة، تحتلّ الصورة القادمة من الإبادة أهمّية كبيرة، ذلك أنّها عنصرٌ مهمّ في الصراع، لا سيما صراع الرواية. وفي هذا السياق، يُجيب شاكر عن سؤال "العربي الجديد" عمّا إذا كان مفهوم الصورة قد تغيّر في زمن الإبادة، بالقول: "في حرب الإبادة الجارية، يوجد صراع على الرواية، والصورة مادّة أساسية في هذا الصراع. عموماً نحن شهود على واقع ممارسة الإبادة وتبريرها في القرن الحادي والعشرين، الذي هو زمن الصورة الحيّة والبثّ المباشر. الصورة ضالعة في الإبادة، كما كان مسلكها من قبل وأكثر، وهي هنا الصورة المزيّفة والملفّقة والمُفتعلة، والصورة المتحاملة، ومن وجوه الصراع، حجب الصورة الواقعية وتجاهلها وإساءة تأويلها، بهدف عزل الجماهير معرفيّاً ووجدانياً عمّا يجري من مجازر يرتكبها كيان الاحتلال".
يتتبّع الكتاب سلوك الصورة في مجالات الصحافة والإعلام والعلاقات العامّة والتفاعلات الشبكيّة والصراعات، ليضعها على مشرحة النقد في فصل بعنوان "عندما تكذب الصورة"، والذي يرصد فيه حسام شاكر سياق نزعات واتجاهات سلوك الصورة، وما يجري فيها من تشويه. يقول الكاتب لـ"العربي الجديد": "بدأ الاحتلال بنزع الصورة الإنسانية عن الفلسطينيّين، واستخدم الصورة على هذا الأساس. فهو في حرب الإبادة الحالية مثلاً لا يستخدم إلّا الصورة التي من شأنها أن تُعزّز سرديته، كما أنّه يتحاشى تقديم أيّة صورة من شأنها تعزيز أنسنة الفلسطينيّين. إنّها صورة مُلفّقة، وكاذبة، تهدف إلى تعزيز السردية الكاذبة التي يطرحها على الإعلام".
ويضيف: "أثبتت الأشهر الفائتة أنّنا إزاء صراع مصوَّر في كلّ الأحوال، والاحتلال يستخدم الصورة سلاحاً من أجل توجيه رسالة للشعب الفلسطيني وللعالم أجمع".
يتناول الكتاب ظواهر متعدِّدة في موضوعه، منها "زحام الأقنعة في زمن الصورة"، كما ينتقل من الصورة إلى التصوّر في باب "تجسيد المخيّلة". ومن تجلّيات حضور الصورة، ثابتها ومتحرِّكها، في عالم اليوم، مفعول الصُّوَر المأساوية التي تستثير الجماهير، والتي تناولها الكتاب بشكل موسّع، وصولاً إلى "تضخُّم الوعي بالفواجع في زمن الصورة والتشبيك".
يتناول الكتاب فلسفة الصورة وتأويلها اجتماعياً ونفسياً، وهو ما من شأنه الانفتاح على فضاءات جديدة في إدراك الصورة والتعبيرات المصوَّرة في الحاضر الإنساني، عبر تمحيص نقديّ لا غنى عنه.