المهرجانات الثقافية في تونس... أيّة مراجَعة؟

09 يوليو 2023
من مهرجان "الجاز في قرطاج" في دورته الثانية عشرة، 2017 (Getty)
+ الخط -

لعلّ تونس موجودة في صدارة البلدان العربية من حيث عدد المهرجانات الثقافية والفنّية؛ فهذا البلد الصغير جغرافياً يحتضن قرابة 300 مهرجان كلّ عام، نصفُها يُقام خلال فصل الصيف، وتحديداً في شهرَي تمّوز/ يوليو وآب/ أغسطس؛ وهي مهرجانات تهتمّ خصوصاً بالغناء والموسيقى، مع مساحات متفاوتة للعروض المسرحية والترفيهية.

على غرار الكثير من التظاهرات الثقافية، تحصل مهرجانات الصيف على تمويل من وزارة الثقافة، وتتوزّع على مناطق مختلفة من البلاد، ضمن سياسة تسمّيها الدولة لامركزية ثقافية. لكنّ، من بين هذا العدد الكبير، يبرز مهرجانان؛ هما: "قرطاج الدولي" الذي تأسّس عام 1964، وتُقام دورته السابعة والخمسون بين 14 تمّوز/ يوليو الجاري و19 آب/ أغسطس المقبل، و"الحمّامات الدولي" الذي تأسّس في العام نفسه وتُقام دورته السابعة والخمسون بين الثامن من الشهر الجاري والثاني عشر من الشهر المقبل.

وفي مستوى أدنى من الإمكانيات المادية وأيضاً من الحرص على الجودة، على رغم الرغبة من المعلنة في تقليد نموذج "قرطاج"، تبرز مهرجانات مثل "سوسة الدولي" الذي تُقام دورته الرابعة والستّون بين الخامس عشر من الجاري والتاسع عشر من الشهر المقبل، و"بنزرت الدولي" الذي تأسّس عام 1982 وتُقام دورته الأربعون بين الثامن عشر من الشهر الجاري والثامن عشر من الشهر المقبل، و"صفاقس الدولي" الذي تُقام دورتُه الثالثة والأربعون بين الرابع عشر من الشهر الجاري والخامس عشر من المقبل.

تحتضن تونس قرابة 300 مهرجان سنوي، نصفُها يُقام خلال فصل الصيف

كما نجد فئة قليلة من المهرجانات التونسية المتخصّصة التي نجحت لسنوات في صناعة بعض البريق مثل "الجمّ الدولي للموسيقى السيمفونية" الذي تأسّس عام 1986 وتُقام دورته السادسة والثلاثون بين الخامس والثاني عشر من الشهر المقبل، و"تستور الدولي للمالوف والموسيقى العربية التقليدية" الذي تُقام دورتُه السابعة والخمسون بين الخامس والعشرين من الشهر الجاري والثالث من الشهر المقبل.

تُوجَّه لهذه المهرجانات انتقاداتٌ مشترَكة كلّ سنة؛ من قبيل "إهدار العملة الصعبة"، من خلال استضافة فنّانين من بلدان عربية وأجنبية، بينما يُواجه البلد أزمةً اقتصادية، وهو ما يدفع القائمين على بعضها إلى التركيز على الأسماء التونسية، أو الاقتصار عليها في بعض الأحيان؛ كما في الدورة المقبلة من "مهرجان بنزرت"، والتي لم يُعلن بعدُ عن برنامجها بسبب خلافات نشبت في إدارته، ووصلت إلى أروقة القضاء، وانتهت بتعيين مدير جديد له قبل أيام.

ثمّة انتقاداتٌ أُخرى؛ مثل انحراف بعض المهرجانات عن الرؤى الأساسية التي قامت عليها؛ كما هو الحال بالنسبة إلى "مهرجان تستور" الذي تَوجّه في السنوات الأخيرة إلى العروض التجارية. يُضاف ذلك إلى المشكلات التي تشهدها مهرجانات أُخرى؛ وهي ماليةٌ في الأساس، كما بالنسبة إلى "مهرجان الجمّ" الذي أشار منظّموه، خلال مؤتمر صحافي قبل أيّام، إلى وجود إكراهات مالية، كان من تداعياتها إلغاء عرض كان مبرمَجاً لـ"أوركسترا القاهرة السيمفوني" وتعويضه بعرض لـ"أكاديمية مسرح أوبرا تونس".

تُمثّل هذه الاختلالات جانباً من مشهد ثقافي عامّ مختلّ لم تسعَ وزارة الثقافة، بشكل جادّ، إلى تقويمه. لكنّ النقد سيأتي من الوزارة هذه المرّة؛ فقبل أيام، دعت وزيرة الثقافة، حياة قطاط القرمازي، من مدينة سوسة، إلى مراجعة السياسات المتَّبعة في تنظيم المهرجانات، عَبْر تقليص "العدد الهائل" من المهرجانات التي يُشبه بعضُها بعضاً، والتوجُّه نحو إقامة مهرجانات متخصّصة.

تضع هذه الدعوة الإصبع على بعضٍ من مكامن الخلل. لكن، ليس معروفاً إن كانت ستُتبع بمراجعة جادّة وشاملة للمهرجانات الثقافية والفنّية في تونس، وما هي الآليات التي ستُعتمَد في أيّة مراجعة من هذا القبيل. فلا ننسى أن توجّهات المهرجانات هُندست منذ البداية تحت إشراف الدولة وضمن حاجياتها، كما أنّ ثورة 2011 أفرزت العديد من مبادرات تنظيم المهرجانات المختلفة، لكنها لم تجد دعماً من الوزارة.

ليست المهرجانات الصيفية في تونس كما هي عليه إلّا بإرادة رسمية، وما ملامح هذه الإرادة غير توفير فضاء ترفيه موسمي وتنشيط الحياة الثقافية بأبسط الوسائل. وهكذا، فإنّ من الطبيعي أن تكون المهرجانات التونسية غمامة صيف محكوم عليها أن تظلّ عابرة.

المساهمون