استمع إلى الملخص
- يدافع محفوظ عن نظرية الانعكاس في الأدب، معتبرًا الفن مرآة للواقع، ويواجه تحديات في استخدام المصطلحات بين الشهادة والوثيقة، مما يبرز التوتر بين الإبداع والانعكاس.
- تركز الرواية العربية على الصراعات السياسية والاجتماعية، مما يحد من استكشاف القيم الإنسانية مثل الحب والصداقة، ويقلل من تنوعها الفني.
يضعنا كتاب عصام محفوظ "الرواية العربية الشاهدة" (دار المدى، 2000)، أمام حقيقة شبه وحيدة، هي أنّ كلّ رواية هي وثيقة عن مجتمعها في مرحلة زمنيّة معيّنة؛ فـ"مدن الملح" لعبد الرحمن منيف وثيقة تحكي قصّة انتقال مجتمع البداوة في الجزيرة العربية إلى محطّة نفطية كبرى، و"اللجنة" لصنع الله إبراهيم وثيقة، أو شهادة (هو يستخدم كلتا المفردتين بمعنى واحد) على الواقع العربي المريض.
كذلك الأمر في رواية "خطط الغيطاني" و"يحدث في مصر الآن" ليوسف القعيد، و"الحوّات والقصر" للطاهر وطّار، و"الأعمى والأطرش" لغسّان كنفاني، و"أنت منذ اليوم" لتيسير سبول، "والبحث عن وليد مسعود" لجبرا إبراهيم جبرا، وغيرها من الروايات.
واللافت أنّ جميع الروايات التي يختارها تؤكّد على الموضوع الأبرز في الحياة العربية الراهنة: القمع، والظلم، والملاحقة، وإهدار حقوق الإنسان. وكلّ واحدة من هذه الروايات تختار لحظة من لحظات الواقع العربي التي يخوض فيها الإنسان العربي صراعاً وجودياً مع قوّة غاشمة تنهب رزقه، أو حاضره، أو تسرق مستقبله، أو كانت قد استولت على بلاده من قبل وأمعنت في تجريدها من خيراتها، أو كسرت كرامة أهلها، ولا ينفعها كثيراً أن يأتي الابن أو الحفيد كي ينتقم لها كما في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال".
الضغوط التي عانى منها الإنسان العربي تسبّبت في نقل الرواية إلى حقل شبه وحيد
يؤمن عصام محفوظ بنظرية الانعكاس ويدافع عنها، ويعتبر أنّ عدم القبول بتلك النظرية لم يعد مقبولاً. والجملة التفسيرية التي يقدّمها لشرح رأيه ليست مقنعة، إذ يقول: "إنّ أيّ تعبير خلّاق مهما بدا عبثيّاً، بل عدمياً، إنّما يصبّ في الواقع، ويماشي حركته، ونبضه، لاعتبار أنّ الفنّ ليس إلّا أسلوب حياة". ذلك أنّ هذا التفسير لا يعني بتاتاً أنّ الرواية انعكاس للواقع، خاصّة أنّ نظرية الانعكاس لم تتقدّم كثيراً في المجال الفكري، وظلّت عاجزة عن الخروج من حالة المرآة، أي أن تكون الكتابة مجرّدة من الاستقلالية، وربّما كان هذا السبب الذي جعل الناقد يضطرب قليلاً في استخدام المصطلحات بين الشهادة، وهي الممكن الحرّ، والوثيقة، وهو ما يساوي بين كلّ الروايات، إذ لا يحفل بالفنّ، والانعكاس الذي قزّم الرواية.
وبقدر ما يشعر المرء بأهمّية الرواية العربية الشاهدة، كما عرض لها الناقد، ينتابه إحساسٌ عميق بأنّ الضغوط التي عانى منها الإنسان العربي، تسبّبت في نقل الرواية عموماً إلى حقل شبه وحيد من بين حقول لا تُعدّ ولا تُحصى، من الإمكانات التي يُتيحها الفنّ لعمل الرواية. إذ قليلا ما نجد في تاريخ الرواية العربية الحديث أعمالاً انشغلت بالبحث في المعنى الوجودي للإنسان، رجلاً أو امرأة، خارج دوائر الصراع التي تُجبر الروائي والرواية، أو تُجبر الإنسان في منطقتنا على خوضها، سواء ضدّ العدوّ الخارجي، مُمثّلاً بالاحتلالات الأجنبية المتتابعة، أو ضدّ العدوّ الداخلي الممثل بالأنظمة القمعية.
هكذا لا تكون الرواية الشاهدة شاهدة على وقائع هذا الصراع الذي لا يدع للعربي لحظة للتنفّس والراحة فقط، بل شاهدة على خسارة أيّ فرصة مُمكنة لها كي تذهب إلى عالم الإنسان في حواره مع نفسه، ومع الوجود وفلسفته، ومع القيم مثل الحبّ، والصداقة، والحزن، والفرح، وحب الحياة.
* روائي من سورية