ضمن "سلسلة ترجمان"، صدر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "مقالات في التاريخ والسياسة" لـ إيمانويل كانط؛ بترجمة وتقديم أستاذ الفلسفة والباحث التونسي فتحي إنقزو.
يجمع الكتاب نصوصًا كتبها ونشرها الفيلسوف الألماني ما بين عاميْ 1784-1798، وهي عبارة عن مقالات ومصنفات في قضايا التاريخ والسياسة: بعضها يستأنف أغراضًا ومسائل مشتركة مع الأنثروبولوجيا البراغماتية ونظرية الأخلاق والحق، وصِلتها بالمعنى الفلسفي للتاريخ والتقديرات الخاصة ببداية التاريخ البشري وتفسيره الغائي، ونظرية الأعراق وتوزيعها الجغرافي.
وتأتي مقالات أخرى "من طبيعة ظرفية وسجالية يدخل في باب الجدل العمومي حول النظام السياسي الأمثل، والعلاقة بين النظر والعمل، ومشكلات الثورة والمقاومة، والنظرة الفلسفية إلى مشروع السلام الدائم بين الأمم، وما يلازم ذلك من النزاعات والخصومات التي كانت فلسفة كانط طرفًا فيها، ولا تزال كذلك عند المعاصرين"، بحسب بيان المركز.
يجمع الكتاب نصوصًا كتبها ونشرها الفيلسوف الألماني ما بين عاميْ 1784-1798
في مقال بعنوان "ما هو التنوير؟"، يكتب كانط: "التنوير هو خروج الإنسان من حكم القصور الذي يغلب عليه والذي هو نفسه مسؤول عنه. بالقصور أعني العجز عن استخدام المرء ذهنه من دون وصاية من الغير. وإن كونه مسؤولًا بذاته عن هذا القصور ليس السبب الذي وراءه راجعًا إلى نقص في الذهن، بل إلى ضعف في الحزم وفي الإقدام على استخدام المرء ذهنه من دون وصاية من الغير. تجرّأ على أن تعرف! (!Sapere Aude) ، لتكن لك الشجاعة على استخدام ذهنك أنت! ذلك هو شعار التنوير".
ويتابع: "بيد أن هذا التنوير لا يطلب شيئًا غير الحرية؛ هو حقًّا أكثر الأشياء مسالمة مما يدخل تحت هذا الاسم، أعني: حرية أن يكون للمرء استخدام عمومي لعقله في المجالات كافة. ولكني أسمع من كل جانب: لا تفكر! فصاحب الشرطة يقول لا تفكر، ولكن نفّذ الأوامر! وصاحب الجباية يقول: لا تفكّر، ولكن ادفع! والكاهن يقول: لا تفكر، ولكن آمن! (ثمة في هذه الدنيا سيد واحد يقول فكروا قدر ما تشاؤون وفي ما تشاؤون، ولكن أطيعوا!). حيثما وليت وجهك وجدت تقييدًا للحرية. ولكن أي تقييد هو مانع للتنوير؟ وأي تقييد آخر لا يمنعه بل هو داع له؟ وجوابي: أن الاستخدام العمومي لعقل المرء يجب أن يكون حرًّا دومًا وأنه هو الذي يقدر وحده على الإتيان بالتنوير للناس؛ إلا أن استخدامه الخصوصي يمكن في غالب الأحيان أن يكون مقيدًا تقييدًا شديدًا من دون أن يعيق مع ذلك تقدم التنوير على نحوٍ ملحوظ".
أما في مقال "مفهوم العرق البشري"، فيدوّن: "لقد أسهمت الرحلات الأخيرة في نشر معارف بخصوص تنوع الجنس البشري كان من نتائجها، إلى هذا اليوم، أن دفعت الذهن إلى أن يستزيد أكثر في هذا الشأن من دون أن ترضيه. غير أنه من الأهمية بمكان أن نحدد المفهوم الذي نعتزم إيضاحه بالملاحظات تحديدًا محكمًا، قبل أن نسائل التجربة في شأنه. ذلك أننا لا نجد في التجربة ما نحتاج إليه إلا إذا علمنا من قبلُ ما نحن عنه باحثون. فقد كثر الحديث عن مختلف الأعراق البشرية. وأما البعض فيقصد بذلك أنماطًا (Arten) متباينة من الناس كل التباين؛ في حين يقتصر البعض الآخر في حقيقة الأمر على دلالة أكثر تقييدًا؛ ولكنهم يبدو أنهم لا يجدون هنا تفرقة أهم من تلك التي يعتمدها الناس بين بعضهم بعضًا بما لهم من طرائق في الزينة واللباس. وليس لي غرض في هذا المقام غير تحديد مفهوم العرق هذا تحديدًا دقيقًا، وهل له وجود في الجنس البشري؛ وأما تفسير أصل الأعراق الموجودة فعلًا، والتي نظن بها أنها تستحق هذه التسمية، فهو أمر ثانوي يجوز لنا أن نأخذه كيفما نشاء. وإني أرى، إلى ذلك، رجالًا هم من أصحاب الرأي حين يتعلق الأمر فحسب بالحكم على ما قيل منذ بضع سنين في هذا الصدد، يصرفون كل جهدهم لهذا الأمر الجانبي فقط، أعني التطبيق الفرضي للمبدإ؛ وأما المبدأ نفسه، الذي عنه يصدر كل شيء، فيمرون عليه الهوينا. وإن هذا هو مصير بحوث كثيرة ترجع إلى المبادئ؛ شأنه أن يحبط عزائمنا عن كل مجادلة وكل تحقيق في الأمور النظرية، ولكنه أقدر أن يدفعنا خلافًا لذلك إلى ما هو أخلق بالاتباع، إلى تحديدات أفضل وإيضاح للخلافات".