في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين الدراسات النقدية والفلسفية والرواية والقصة القصيرة وعلم النفس والمذكرات.
■ ■ ■
عن "منشورات الجمل"، صدرت حديثاً طبعة جديدة من ترجمة صالح جواد الكاظم لكتاب "الرواية التاريخية" للفيلسوف الهنغاري غيورغ لوكاش. نُشر العمل عام 1937، وفيه يطبّق لوكاش المنهج السوسيولوجي الماركسي على السرد. يشير الكاتب إلى ولادة الرواية التاريخية، كشكل أدبي، في القرن التاسع عشر، في وقت ترسّخت فيه هيمنة الرأسمالية والبرجوازية على الغرب الأوروبي. تغيُّرٌ فتح الباب على نوع جديد من أبطال الروايات "النموذجيّين" الذين يختارهم الكتّاب ليقولوا من خلالهم مرحلةً تاريخية معيّنة، وهي مقولةٌ تشير إلى الحاضر في الوقت نفسه.
صدر حديثاً، عن منشورات "أكت سود" الفرنسية، كتاب "مارسل بروست: الحياة، الزمان" للباحث والكاتب ميشيل إرمان. يذكّر المؤلّف بأن الدراسات البروستية غالباً ما تنظر إلى رواية "البحث عن الزمن الضائع" بوصفها وصفاً لصيرورة الكتابة الأدبية، ووصفاً لرغبة الكاتب في الإحاطة بالحياة عبر الكتابة، وهو يقترح قراءة مختلفة، تنظر إلى بطل الرواية، أي بروست نفسه، كشخص يسعى نحو الحياة نفسها، نحو عيشها وليس كتابتها فحسب، ما يجعل منه - بحسب إرمان - فيلسوفاً وجودياً. لإرمان العديد من الكتب حول بروست، من بينها "عين بروست" (1990).
بترجمة باسل بديع الزين، صدرت حديثاً عن "دار الرافدين"، النسخة العربية من كتاب "سيكولوجية الأزمنة الجديدة" للطبيب وعالم النفس والاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون. يمثّل العمل، الذي صدر عام 1920، محاولة من المفكّر الفرنسي لفهم حاضره ولتحليل مستجدّاته على المستويين الأخلاقي والاجتماعي، ولا سيّما بعد التغيّرات الكبيرة التي ظهرت إثر الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918). ينتقل العمل من دراسة التطوّر الذهني للشعوب إلى دراسة دور العوامل الأخلاقية والنفسية خلال الحروب، ويُنهي كتابه بتحليل أوضاع أوروبا سياسياً.
لا تحضر في البال إلا كتبٌ قليلة عندما يتعلّق الأمر بالدراسات والأبحاث حول الضحك، وربّما يكون أبرز الأعمال في هذا المجال كتاب الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون: "الضحك" (1900). الباحثة لور فلاندران تحاول سدّ جزء من هذه الثغرة بكتابها "الضحك: بحث حول أكثر عواطفنا اجتماعيةً"، الصادر هذه الأيام لدى منشورات "لا ديكوفرت" في باريس. تتناول المؤلّفة موضوعها من باب علم الاجتماع، مُحاولةً فهم ما يمكن للضحك أن يقوله عنّا، وكيف يعبّر عن تجاربنا وانتماءاتنا وعلاقتنا الاجتماعية، وتحاول اقتراح نظرية سوسيولوجية عامّة للضحك.
صدر حديثاً، عن "خطوط وظلال" في عمّان و"ضمة" في الجزائر، كتاب "في مقهى المحطّة وقصص أُخرى" لـ تشيزاري بافيزي، والذي ترجمه عن الإيطالية محمد وليد قرين. يضمّ الكتاب مجموعة قصص للكاتب الإيطالي (1908 - 1950) والتي عكست مثلما رواياته جانباً من حياته الغنية والقصيرة في آن، وهو الذي قاتل في صفوف اليسار ضدّ النظام الفاشي، وانخرط في الدفاع عن العديد من القضايا السياسية والاجتماعية، لكنه انتحر بعد إصدار مذكّراته التي تحدّث فيها بصراحة كبيرة عن إخفاقاته في جميع علاقاته العاطفية وعدم قدرته على التخلّص من الاكتئاب.
"فن الاختيار الأدبي: أبو منصور الثعالبي وكتابه يتيمة الدهر" عنوان النسخة العربية من كتاب الباحث اللبناني بلال الأرفه لي، والتي صدرت بترجمة لينا الجمال عن "الدار العربية للعلوم ناشرون". يتناول الكتاب منهجية اللغوي والكاتب (961 - 1038) في تصنيف تراجم الشعراء وفق مناطقهم الجغرافية، إذ قسّمهم في عشرة مجلّدات إلى شعراء الشام وما جاورها، وشعراء دولة بني بويه في العراق، وشعراء الجبال وفارس وجرجان و طبرستان، وشعراء خراسان وما وراء النهر، حيث وجد خصائص وسمات مشتركة لأدبهم، ولا يزال تصنيفه يُعدّ الأوسع والأشمل في تاريخ الشعر العربي.
عن "منشورات جامعة ييل"، صدر حديثاً كتاب "الإقناع المظلم: تاريخ من غسيل الدماغ من بافلوف إلى وسائل التواصل الاجتماعي" لأستاذ الطب النفسي جويل إي. ديمسدال. يستعرض المؤلّف سعي السلطات إلى السيطرة على عقول الأفراد على مرّ التاريخ، بدءاً من التعذيب الذي مُورس ضدّ أتباع الأديان الجديدة، ومروراً بعقاقير الاستجواب التي استُخدمت خلال الحرب العالمية الثانية لإجبار المعتقلين على الاعتراف بمعلومات عسكرية، وتطوّر أدوات السيطرة الاجتماعية والسياسية خلال الحرب الباردة، وصولاً إلى توظيف وسائط التواصل الاجتماعي للتأثير على روّادها.
عن "الآن ناشرون وموزعون"، صدر حديثاً كتابٌ للناقد الأردني غسّان إسماعيل عبد الخالق بعنوان "الراوي مفكّراً: دراسات تطبيقية في السرد العربي المثقّف". يتناول أستاذ الأدب والنقد في "جامعة فيلادلفيا" الأردنية، في عمله الجديد، تجارب سردية عربية قديمة وحديثة ومعاصرة، بدءاً بحكاية الجارية تودُّد في "ألف ليلة وليلة" التي يُقاربها من منظور النقد الثقافي، وصولاً إلى بعض تجارب الرواية النسوية العربية التي يُضيء على ما فيها من خصائص فكرية وأسلوبية، مروراً بتجارب كتّابٍ مثل علي أحمد باكثير، وإلياس فركوح، ومحمود شقير.
"ذكريات باريسية: صامويل بيكيت وسيمون دو بوفوار وأنا"، عنوانُ كتاب ديردر بير الصادرة نسختُه العربية حديثاً عن "دار المدى" بترجمة أحمد الزبيدي. قضَت الكاتبةُ ومؤلّفة السيَر الذاتية الأميركية (1935 - 2020) قرابة سبع سنواتٍ في الاشتغال على حياة بيكيت، ونحو عقدٍ في العمل على حياة جارته في باريس سيمون دي بوفوار، وقد ألّفت أعمالاً سيرية عنهما. وفي هذا الكتاب، تعود إلى الفترة التي قضتها في العاصمة الفرنسية، مستعيدةً مواقف عاشتها خلال البحث عن تفاصيل من حياة الكاتبَين، وهي مواقف لا تخلو من الطرافة في بعض من الأحيان.
بتوقيع محمد نجيب، صدرت حديثاً عن "دار التنوير" رواية "فتاة كتبت العزلة" للروائية الكورية الجنوبية كيونغ سوك شين (1963). يأخُذ العمل طابع السيرة الذاتية؛ حيثُ تتناول فيه صاحبةُ "أرجوك اعتنِ بأمي" بجائزة المان بوكر الآسيوية عام 2012، إلى ظروف عمل ملايين الفتيات اللواتي غادرن الأرياف إلى العاصمة سول للعمل في المصانع، بالتزامُن مع التغيُّرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها كوريا في النصف الثاني من القرن العشرين، متسائلةً عن جدوى الكتابة، وعن الخيط الرفيع الذي يفصل بين الماضي والحاضر.