يستند الباحث الأردني إبراهيم غرايبة (1962) في مجمل مؤلّفاته ومقالاته حول واقع الأردن إلى رؤية تنموية تقوم على إعادة توزيع موارد الدولة بطريقة عادلة من شأنها سدّ الفجوة المتزايدة بين المهمّشين وبين الأثرياء. وتحتلّ قطاعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية أهمية، في هذا السياق، تستدعي زيادة الإنفاق العام عليها ورفع مستوى خدماتها ومخرجاتها.
"الأردن الممكن، ما نحبّ أن نكون وما يجب فعله لنكون ما نحبّ" عنوان كتابه الجديد الذي صدر حديثاً عن سلسلة "مكتبة الأسرة" في وزارة الثقافة الأردنية، ويجمع بين التنظير لمجموعة من المسائل التي تقوم عليها الدولة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وبين الاشتباك مع الراهن واختبار العديد من أزماته الملحّة.
يرى المؤلّف أن التحديث طوال مئة عام تجاهل المواطنين والمجتمعات والمدن
ينطلق غرايبة في المقدمة من معادلة تاريخية يحاول تفكيكها، وتتمثّل في أنّ الأردنيين "كان لهم نوّابهم المنتخبون في مجلس نواب الدولة العثمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبلدياتهم المنتخبة". وهو يشير، في هذا السياق، إلى مجالس عشر مدن أردنية انتخبت بين عاميْ 1881 و1920، وإلى النخب الاجتماعية والسياسية التي كانت تملك رؤية "معقولة" للمكان وأحلام أبنائه. لكنّ الأردنيين اليوم يبدون تائهين، وكأنهم "في مدن عشوائية، بلا أحزاب سياسية أو جماعات تأثير فاعلة أو منظمات مدنية حقيقية، أو حياة فنية وثقافية تنظّم خيال الناس وتمضي بهم إلى حياة أفضل".
ويردّ المؤلّف الأمر إلى أن التحديث "تجاهل المواطنين والمجتمعات والمدن، ولم تكن النخبة ترى الأردنيين"، فيما "كان الأردنيون لا يرون أنفسهم أو أنهم يعرفون أنفسهم كما يراد لهم أن يكونوا، ووافق ذلك بالطبع مزاجٌ مؤثر نحو الهروب والاقتلاع والمؤقت. ولكنه مؤقت دام قرناً من الزمان".
ينتقل غرايبة بعد ذلك إلى أن الأردنيين "وجدوا أنفسهم وبلدهم في مرحلة الشبكية على نحو مختلف اختلافاً كبيراً عمّا دأبت تؤكده وسائل التاثير الإعلامي والسياسي"، وأنهم "لا علاقة لهم بالصورة التي صُنعت لهم وعنهم؛ ليسوا مجتمعاً بدوياً كما تصرّ الهيمنة الإعلامية والنخبوية، لكنهم جميعاً يعيشون في مدن وبلدات مغطاة بشبكة الكهرباء والاتصالات والإنترنت ومياه الشرب والطرق والمدارس والجامعات".
يتطرّق المؤلّف إلى عناوين عديدة لفهم اللحظة التي يعيشها الأردن اليوم في ما يتعلق بالتراجع في الخدمات الأساسية التي نقدّمها الدولة، وأزمات المياه والطاقة، وهروب الحكم من الاستحقاقات الإصلاحية ومواجهة الأزمات التنموية الداخلية، وكيف أظهرها الحراك الاجتماعي والسياسي والنقابي منذ عام 2010، إلى جانب التحولات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بخصخصة القطاع العام حيث فقدت الدولة معظم مواردها.
يقدّم غرايبة، وفق هذه التصورات للأزمة المركبة في البلاد، مقترحات تشكّل "دليلاً" للإصلاح والتقدّم، وعلى رأسها مشاريع كبرى لتحلية مياه البحر، وتوليد الطاقة، من أجل الزراعة وتربية الحيوانات التي ستشّغل مئات آلاف المواطنين، إلى جانب مشروعات صناعية تعتمد على الموارد الموجودة، وشبكة وطنية لتسويقها، قائلاً بأن تلك البنى ستشكّل مدناً جديدة في التجمعات الصغيرة والمتوسطة في الأردن والتي يتوقّع لها أن تُنشئ تشكيلات ثقافية وفنية ستعمل على تنظيم حياة الناس.
ينقسم الكتاب إلى عدّة فصول، هي: الرواية المنشئة والفكرة الجامعة، والتكوين الاقتصادي والتنموي، والتكوين الثقافي والاجتماعي، والمستقبل: رواية للتنمية والتقدم.