عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر العدد السادس والثلاثون من الدورية المحكّمة "تبيُّن" التي تعنى بالدراسات الفلسفية والنظريات النقدية. وقد انشغلت معظم مقالات العدد الجديد بمحاولات تأصيل نظريات معرفية غربية في ثقافتنا.
في دراسة بعنوان "النظريات الأخلاقية المعاصرة وإشكاليات التطبيق: المعضلة الأخلاقية واتخاذ القرار نموذجاً"، سعى محمد أوريا لتحليل أنماط السلوك السياسي والاجتماعي وفهم كيفية اتّخاذ القرار الملائم أمام معضلة أخلاقية معيّنة. يعود الباحث إلى مناقشة مفكّرين تقاطعوا مع الإشكاليات الأخلاقية من أرسطو إلى تشارلز تايلور.
وفي دراسته "في المفهوم الفلسفي والقانوني لحالة الطوارئ: جدلية الدولة والمجتمع"، سلّط مصطفى الشادلي الضوء على مفهوم حالة الطوارئ الذي يستعمل اليوم بكثرة في سياق ما يعيشه العالم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجدّ، سواء على مستوى الحياة اليومية أو على مستوى التحليل الفلسفي والقانوني والتاريخي.
وحملت ورقة الباحث التونسي منير الكشو عنوان "نظرية جون رولز في العدالة التوزيعية ونقادها"، وفيها سعى إلى تقييم مآلات الجدل بين جون رولز ونقّاده حول نظريّته في العدالة التوزيعية. ويعتمد الباحث التمييز بين ضربين من النقد، أحدهما داخلي والآخر خارجي. أمّا النقد الداخلي، فيشاطر النظرية غرضها في وضع مبادئ للتوزيع العادل للخيرات الاجتماعية والموارد المادية، وكذلك قيَمها ومسلّماتها الأساسية، في حين لا يراها قادرة على تحقيق غرضها ذاك، وتجسيد قيمتَي الحرية والمساواة في عمل المؤسّسات الكبرى للمجتمع. أمّا النقد الخارجي فتُميِّز ضمنه الدراسة بين النقد "الليبرتاريني" الذي يرى في نظرية العدالة الرولزية تسويغاً جديداً لدولة الرفاه، ولمهمّات إعادة توزيع الدخل عبر الضرائب التي اضطلعت بها تاريخياً، والنقد "الجماعتي" الذي يرفض الخلفية الفلسفية للنظرية، وينتقد الإبستيمولوجيا الأخلاقية والميتافيزيقا والأنثروبولوجيا التي تقوم عليها.
وتطرّق محمد الهادي عمري، في دراسته "سؤال الزمان والمنعرج المادّي للفينومينولوجيا لأنطونيو نغري"، إلى مشكل الزمن الذي يُعتبَر من أهمّ المشكلات في الفلسفة السياسية. وتوقّف عند النقد الجذري لدلالة الزمن في الفلسفات التقليدية من وجهة نظر الفينومينولوجيا المادّية عند أنطونيو نغري.
وفي دراسة "دور المخيّلة في نظرية المعرفة الكانطية: بين الطبعة الأولى والثانية من كتاب نقد العقل المحض"، بيّن عامر شطارة الفارق بين طبعتي كتاب "نقد العقل المحض" في ما يخصّ موضوع المخيّلة ودورها في إنتاج المعرفة.
وتناول زهير سوكاح، في دراسته "الذاكرة في الجائحة والجائحة في الذاكرة"، الأوجه الثلاثة للعلاقة بين الوباء والذاكرة: يهتمّ الوجه الأول بالحدث الكوروني الذي استطاع استدعاء "ذاكرة قَبْلية" تختزن تجارب جمعيّة لبعض المجتمعات، تشبه الوضع الذي أفرزه تفشّي جائحة كورونا. والوجه الثاني تُشكّله الذاكرة المعيشة بوصفها ذاكرة عالمية عن الجائحة، وهي ذاكرة لا تزال في طور التشكّل جمعيّاً. وقد ينتقل جزء منها مع مرور الزمن إلى ذاكرة مستقبلية، وهي "الذاكرة البَعْدية"، التي ستستدعي الحدث الكوروني وتبعاته بوصفه ماضياً منتهياً ما لم يتهدّد محتوياتِها نسيانٌ مستقبلي، وهذا هو الوجه الثالث.
وفي دراسة "تنمية التفكير النقدي بالفضاء التربوي في المغرب" أكّد الحبيب استاتي زين الدين أنّ عمليّة التفكير النقدي تضع المتعلّمين والمتعلّمات أمام وضعيات تستدعي المساءلة والبحث، للارتقاء بالروح النقدية البنّاءة لديهم، في أفق تمكينهم من بناء شخصياتهم، وجعلهم أقدر على مساءلة المعارف والمعلومات. والأهمّ اتخاذ مواقف واعية إزاء الوقائع والأحداث والآراء التي تعترضهم في الحياة.
وتضمّن العدد ترجمةً لمقال "الهرمينوطيقا في عصر ما بعد الحقيقة: دراسة في بلاغة الخطاب الإعلامي"، لروبن أرياسو مونيوس، نقله إلى العربية محسن الزكري. واشتمل باب مراجعات الكتب على ثلاث مراجعات: الأولى لكتاب "الكتابة النقدية عند محمد برادة: المرجعية والخطاب" لإدريس الخضراوي، أعدّها رشيد الخديري؛ والثانية لكتاب "الإسلام الحنبلي" لجورج مقدسي، أعدّها شمس الدين الكيلاني؛ والثالثة لكتاب "السلف المتخيَّل.. مقاربة تاريخية تحليليّة في سلف المحنة: أحمد بن حنبل وأحمد بن حنبل المتخيَّل" لرائد السمهوري، أعدّها محمد صلاح سليم.