لم يكتب المفكر الألماني تيودور أدورنو تاريخاً للفلسفة كما فعل آخرون، غير أن أحد دروسه التي ألقاها بين 1962 و1963 يعدّ تاريخاً للفلسفة وإن لم يكن ذلك هدفه المباشر فقد كانت أسئلته قائمة على محاولة فهم العلاقات التي تبنيها المصطلحات في ما بينها وتصنع بذلك مقولات الخطاب الفلسفي.
ظهر هذا الدرس في كتاب بعنوان "المعجم الفلسفي"، وقد صدرت طبعته الفرنسية مؤخراً عن منشورات "كلينكسيك"، وهو ليس معجماً بالمعنى الذي نعرفه أي قائمة من المصطلحات وتعريفاتها بل هو دراسة حول هذه الكلمات التي تشكّل الفلسفة كحقل معرفي.
صدر العمل بترجمة مارك دولوناي، فيما حقّقه واهتم بصيغته الفرنسية الباحث هنري لونتيز والذي أشار إلى أن أهمية هذا العمل تكمن في الزاوية الطريفة التي ابتكرها أدورنو حيث لم ينظر إلى الفلسفة باعتبارها معجماً ثابتاً عابراً للزمن بل رآها كعلاقة بين المفردات تصنع تحوّلاتها منعطفات تاريخ الفلسفة.
بهذا المعنى يُنظر لهذا العمل باعتباره تاريخاً للفلسفة مكتوباً من غير الزاوية التاريخية، بتراتبيّتها الزمنية، وهو ما أتاح لأدورنو أن يرى الفلسفة باعتبارها صراعاً تأويلياً حول المفردات، كما أنه أبرَزَ زاويةً قلما التفت لها مؤرخو الفكر هي أن الفلسفة طريقة استعمال مخصوصة للغة، وهذه الاستعمالات تجعل من بعض المصطلحات مهيمنة على الأخرى بما يخلق هوية شبه ثابتة للخطاب الفلسفي.
يلاحظ أدورنو أن من خصائص الفلسفة أنها لا تقوم على "المصطلحات ذات النجومية" حيث أن عمل الفلاسفة اللاحقين عادة ما يكون كسر كل نجومية لمصطلح سابق كما هو الحال في القرن التاسع عشر حين جرى تهديم أسطورة مفهوم "المثالية".