هل تؤدي عصا "نوبك" إلى فرط عقد "أوبك"؟
اتخذت "أوبك (OPEC) بلاس" في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي قراراً قضى بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، وذلك على خلفية تراجع الأسعار إلى ما دون مستوى 120 دولارا للبرميل. وفي الأثر، عاد الحديث بقوة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعدّ أكبر مستهلك للنفط عالمياً، حول المقترح التشريعي المعروف باسم "نوبك" (NOPEC)، والذي يقضي بمقاضاة الدول التي تمارس أفعالا احتكارية مرتبطة بقطاع النفط الخام.
بداية، وقبل الدخول في صلب الإشكالية، لا بدّ لنا من عرض لمحة، ولو مختصرة جداً حول ماهية "أوبك"؟ وماهية "أوبك بلاس"؟ وماهية "نوبك"؟
(1): "أوبك" (Organization of the Petroleum Exporting Countries): منظمة الدول المصدرة للنفط، وهي تتألف حالياً من 13 عضواً، هم كل من الجزائر، أنغولا، غينيا الاستوائية، الغابون، إيران، العراق، الكويت، ليبيا، نيجيريا، جمهورية الكونغو، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وفنزويلا. ومنذ أواخر عام 2016، جرى تعاون مشترك بين "أوبك" وعشر دول أخرى منتجة للنفط ضمن إطار أُطلق عليه تسمية "أوبك بلاس"، وكان من أبرز هذه الدول روسيا التي تعدّ ثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم بعد السعودية. وقد كان لأوبك تأثير كبير على أسعار النفط في السوق الدولي، وأدّت القيود التي فرضتها على إنتاج النفط في سبعينيات القرن الماضي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، وفي عائدات دولها أيضاً.
(2): "نوبك" (No Oil Producing and Exporting Cartels): مقترح قانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط" هوَ مقترح أميركي يهدفُ إلى رفع الحصانة السيادية عن أعضاء "أوبك"، وذلك تمهيداً لمقاضاتهم على خلفية مكافحة الاحتكار. وباختصار فإنه يهدف إلى تقويض عمل "أوبك" ويشكل آلية للضغط على جميع الدول النفطية من أجل زيادة الإنتاج (غالبًا ما يشير الاقتصاديون إلى "أوبك" كمثال نموذجي احتكاري تعاوني لتقليل المنافسة في السوق يحمي نفسه بحصانة الدولة بموجب القانون الدولي العام).
وكان المشرعون الأميركيون قد درجوا، منذ مطلع الألفية الحالية، على تقديم الصيغة بعد الأخرى لمقترح "نوبك" إلا أنّ أياً منها لم يقرّ لغاية الآن، ولعلّ السبب الأساسي وراء فشل تمريره طوال السنوات الماضية مرتبط بمعارضة معهد البترول (أكبر جماعة ضغط بقطاع النفط والغاز) وغرفة التجارة له خشية اتخاذ إجراءات إنتقامية ضد الشركات الأميركية في الخارج على خلفيته، كما أنّ منتجي النفط الصخري يستفيدون من سياسات "أوبك" في تعزيز الأسعار.
لقد كان النقاش والجدل حول "نوبك" يتجدّد، على الدوام، بين الفينة والأخرى، إلا أنه في مايو/أيار من العام الماضي، وبخطوة غير مسبوقة وافقت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ على إحدى صيغه بأغلبية 17 صوتا مقابل 4 أصوات عارضته، وجرى الحديث يومها أنه قد يمرّر عقب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، خصوصاً وأنه أضحى يحظى بتأييد كبير لدى الديمقراطيين والجمهوريين.
هناك من يرى بأنّ إقرار "نوبك" بات مطروحاً بقوة، واحتمالية تمريره قائمة بنسبة كبيرة جدا، وذلك على خلفية التوتر غير المسبوق في علاقات الرياض وواشنطن
وبعد قرار "أوبك بلاس" الأخير تصدّر "نوبك" المشهد مجددا، إذ وصف الرئيس جو بايدن هذا القرار بـ"قصير النظر"، وصدر بيان عن البيت الأبيض جاء فيه أنه "في ضوء القرار، ستتشاور إدارة بايدن مع الكونغرس حول أدوات وآليات إضافية لتقليص تحكم (تحالف الدول المنتجة للخام) في أسعار الطاقة".
وهناك من يرى بأنّ إقرار "نوبك" بات مطروحاً بقوة، واحتمالية تمريره قائمة بنسبة كبيرة جدا، وذلك على خلفية التوتر غير المسبوق في علاقات الرياض وواشنطن، إذ وصل الأمر بالإدارة الأميركية إلى طرح إعادة تقييم العلاقة مع السعودية، وتركز جانب من الانتقاد الأميركي للسعودية، والتي تقوم بدور أساسي في "أوبك بلاس" إلى جانب روسيا، لناحية أنّ القرار هو نتاج توافق بين السعورية وروسيا. وكرد فعل على السلوك الأميركي تجاهها، دأبت السعودية على تبرير أمر صدور قرار خفض الإنتاج، فأكدت مراراً على أنه كان ثمرة "توافق جماعي" بين الدول الأعضاء، وأنه كما غيره من القرارات يأتي "من زاوية اقتصادية بحتة".
وإن كانت العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية لا يمكن النظر لها من حيثية تفصيلية إنما من منظور أعم مرتبط بمنطقة الشرق الأوسط وإمدادات النفط الدولية، إلا أنه من الناحية الشكلية يسجل بأنّ قرار "أوبك بلاس" الأخير جاء على مسافة أشهر قليلة من زيارة جو بايدن للسعودية ولقائه بولي العهد محمد بن سلمان، والتي كانت قد سبقتها مطالبة أميركية واضحة للسعودية بزيادة كمية إنتاج النفط في سبيل احتواء أزمة ارتفاع أسعار الطاقة، وفي ظلّ محاولات عزل روسيا على خلفية حربها على أوكرانيا.
ويبدو أنّ عصا "نوبك" أضحت سيفا مسلطا أكثر من أي وقت مضى، وأن مقترح "نوبك" بات على سكة الإقرار في ظلّ التوافق بين الجمهوريين والديمقراطيين حوله، ما من شأنه أن يُمكّن وزارة العدل من رفع دعاوى قضائية أمام محكمة اتحادية ضد "أوبك" ومنتجين آخرين لمحاولتهم السيطرة على إنتاج النفط أو التأثير على أسعار الخام. وحتى لو لم تستخدم وزارة العدل مطلقاً سلطتها تلك، فإنّ مجرّد وجود هذا الخيار قد يكون كافيا لإجبار العديد من الدول الأعضاء على تغيير سلوكهم، وربما يؤدي إلى دفع "أوبك" للتخلّي عن دورها في موازنة السوق، وانسحاب البعض منها بما يؤدي إلى انفراط عقدها (قائمة أعضاء أوبك كانت تشمل: الإكوادور وإندونيسيا وقطر).