العراق.. الشباب وتحدّي الدولة الهشّة
تُصنّف دولة ما بأنّها هشّة عندما تعجز عن التعامل مع التطلعات المستجدة لمواطنيها واستيعابها ضمن سياق الهياكل السياسية القائمة. وتنجم الهشاشة عن اختلال كبير في التوازن بين الطبقة السياسية والمجتمع.
وإذا ما أسقطنا التوصيف أعلاه على واقع العراق الراهن، فإنّ مرور 20 عامًا على التحوّل من النظام الديكتاتوري إلى النظام الديمقراطي لم تّمكّن البلد من إرساء النظام الديمقراطي على أسس متينة، إذ لا يزال يرزح تحت وطأة الفوضى السياسية بعد أن نجحت النخبة السياسية التي أحكمت سيطرتها عليه باكراً، بالتلاعب بإعدادات العملية السياسية وتشويه الديمقراطية.
لقد احتل العراق منذ عام 2005 مراتب متقدمة في تقرير "مؤشر الدولة الهشة" الذي تصدره بشكل سنوي مؤسسة صندوق السلام الأميركية بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي منذ عام 2005، ولا يزال يندرج ضمن خانة البلدان الأكثر هشاشة، تارة مع إنذار، وتارة مع إنذار مرتفع.
ومن السمات الاقتصادية للدولة الهشّة تلك التي تمس فئة الشباب مباشرة، مثل تفشي ظاهرة البطالة على نطاق واسع، وهذا ما يشهده العراق حالياً. ويتفق الخبراء على أنّ لتأمين الوظائف للشباب أهمية كبيرة في تحقيق الاستقرار في الدولة الهشّة، حيث يلعب القطاع الخاص دورًا أساسيًا في هذا المجال. إلا أنّ حالة الهشاشة تنطوي أيضًا على تحديات كثيرة أمام قيام هذا القطاع بخلق الوظائف، وبالضرورة أن تكون استثماراته مكملة لاستثمارات الدولة العامة الموّجهة لقطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية الأساسية.
فشل ثورة أكتوبر/ تشرين الأوّل 2019 قد أدى إلى ضعف وتراجع اهتمام الشباب العراقي بالمشاركة السياسية المباشرة
لقد قامت النخبة السياسية الحاكمة في العراق بتوزيع إيرادات الريع النفطي بين رواتب موظفين ومشاريع وهمية، وغير وهمية، تتم السرقة في إطارها، وضمن عناوين متعدّدة، عوض أن تستثمره في تحفيز الشباب على إبراز طاقاتهم الإنتاجية وقدراتهم الإبداعية.
من ناحية ثانية، تُرتب الهشاشة العديد من الأثار السلبية على الدولة، من أكثرها مدعاة للقلق قابلية التأثر بالنزاعات الداخلية وازدياد فرص انهيارها، فهل من سبيل أمام العراق للخروج من دائرة الدولة الهشة؟
لا يتوقع أن يتمكن العراق في المدى المتوسط من الخروج من دائرة الهشاشة، ذلك أنّ هذا الخروج يتطلب بالضرورة توافر إرادة شبابية تعمل لتحقيق دوران النخبة السياسية بكافة أطيافها، من نيابية ووزارية وغيرهما، وإحلال وجوه شبابية جديدة في السلطة، إن عن طريق الأحزاب القائمة حاليًا أو عن طريق أحزاب غير ممثلة حاليًا في السلطة، لإحداث التغيير المطلوب.
ختاماً، لا يخفى على أحد أنّ نتائج الانتخابات الأخيرة، سواء النيابية أو انتخابات المحافظات، قد كشفت أنّ هناك فجوة كبيرة بين الشباب العراقي والاهتمام بالسياسة العامة، ويمكن أن يكون ذلك مرتبطاً بالخوف لدى جزء منهم. ويبقى مسألة تصوّر أنهم (الشباب العراقي) غير ذي فعالية إذا ما تسلموا المسؤوليات، وأنّ السياسة هي من اختصاص المسؤولين الحكوميين فقط، فهذه مسألة عصية على الفهم، وإن كان فشل ثورة أكتوبر/ تشرين الأوّل 2019 قد أدى إلى ضعف وتراجع اهتمام الشباب العراقي بالمشاركة السياسية المباشرة.