أليس "التطرف الفكري" أولى باليوم الدولي؟
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 243/77، يوم 12 فبراير/ شباط يوماً دولياً لمنع التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، وذلك استنادا إلى مشروع القرار المعنون "اليوم الدوليّ لمنع التطرف العنيف المُفضي إلى الإرهاب"، والذي كان تقدم به العراق بالشراكة مع كل من قطر، المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة، وسلطنة عمُان.
وقد أكد القرار أن التطرف العنيف عندما يفضي إلى "الإرهاب" لا يمكن ولا ينبغي ربطه بأي ديانة أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية، إلا أن من المفارقات التي سجلت بمناسبة الاحتفاء بذاك اليوم للمرة الأولى غياب مظاهر الاحتفاء. غياب يكاد يكون تاماً على مستوى العراق، وهذا أمر مستغرب ومستهجن من دولة تقدمت بمشروع القرار، وهي عانت وما زالت تعاني من تبعات التطرف والأفعال "الإرهابية".
ومن جهة ثانية، كان الأولى أن ينصب مشروع القرار على مكافحة التطرف الفكري الذي يشكل الأساس لكل تطرف يترجم على أرض الواقع أفعالاً إرهابية؛ فهذه الأخيرة لا يمكن القضاء عليها ما دام هناك من يحمل فكراً متطرفاً.
والتطرف في الاصطلاح هو مجاوزة حد الاعتدال، والبعد عن التوسط إفراطاً أو تفريطاً؛ وبعبارة أخرى: سلباً أو إيجاباً، زيادة أو نقصاً. والتطرف بلغة العصر هو الغلو في عقيدة أو فكرة أو مذهب يختص به دين أو جماعة أو حزب سياسي.
ويشير معنى التطرف في علم الاجتماع إلى المغالاة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الفكرية، وهو يعني الحدة الشديدة التي تتصف بها سلوكيات الفرد بخصوص الفكر الذي يعتنقه.
أما التطرف الفكري فعادة ما يدلل عليه بانتهاك قواعد ومعايير وثقافة المجتمع. وهذا التعريف يضعنا مباشرة أمام إشكالية جوهرية ترتبط بآليات تحديد ما إذا كانت القواعد والمعايير والثقافة التي يتبناها مجتمع ما تجسد الوسطية والاعتدال؟
يعد مفهوم التطرف من المفاهيم التي يصعب تحديدها بدقة، ذلك أن حد الاعتدال مسألة نسبية تختلف من مجتمع لآخر وفقاً لمنظومة القيم السائدة في كل مجتمع.
أوَ ليست الرسالة الإسلامية السامية وغيرها من الرسالات قد جاءت خروجاً على قواعد ومعايير وثقافة مجتمعات كانت قائمة آنذاك ... فهل يصح في الفهم المستقيم أن توصف تلك الرسالات بالتطرف الفكري لأنها خرجت على القواعد والمعايير وثقافة مجتمعاتها؟
ما أحوجنا اليوم إلى مؤتمرات ومناقشات على مستوى الأمم المتحدة لوضع ضوابط موضوعية، ومعايير منهجية لتحديد التطرف الفكري، وليكون هناك يوم دولي من أجل التوعية بمخاطره والعمل على منعه من التغلغل في عقول الأجيال الناشئة.