هل أضحت أميركا سيّد الشرق الأوسط بلا منازع؟
شاعت في التحليلات السياسية العربية على امتداد السنوات المنصرمة فكرة تتعلّق بتغيير تركيبة النظام الدُّوَليّ، وأَثر ذلك (إذا ما حدث) على منطقة الشرق الأوسط. وقد شكل طرح تآكل مصادر القوة الأميركية جوهر تلك الفكرة وأساسها، وعلى وجه الخصوص تراجع إمكاناتها وقدراتها الاقتصادية.
وبناء عليه، فإنّ ذاك التآكل سوف يترتّب عليه ظهور مناطق "فراغ نفوذ" على امتداد العالم، وستسعى قوى كبرى أخرى لشغله، مثل روسيا كقوة عسكرية وازنة، والصين كقوة اقتصادية عملاقة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد درج في خطابه السياسي على تحدّي الهيمنة الأميركية على العالم، داعياً دول العالم إلى بناء نظام دولي جديد يقوم على التعدّدية القطبية.
وفي ضوء ما تقدّم، فإنّ منطقة الشرق الأوسط تمثّل إحدى الساحات الرئيسية للتنافس بين الولايات المتحدة الأميركية وقوى التغيير في النظام الدُّوَليّ، وتحديداً روسيا التي عمدت إلى أسلوب التدخل العسكري المباشر في هذه المنطقة، إذ وقفت إلى جانب النظام الحاكم في سورية على مدى السنوات المنصرمة من عمر أزمته الحالية، وهذا يندرج طبعاً في سياق تعزيز وجودها في منطقة المشرق العربي.
استمر رواج سيناريو التغيير في تركيبة النظام الدولي حتى اندلاع الحرب في قطاع غزَّة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الفائت بين حركة حماس وإسرائيل، إذ أثبتت مجريات هذه الحرب في احد أوجهها أنّ طرح تآكل مصادر قوة الولايات المتحدة الأميركية كان طرحا غير واقعي، فهي ما زالت القوة العسكرية الأولى في العالم دون منازع، وما زالت تمتلك أكبر رصيد من عناصر القوة الشاملة، وما زالت تحظى بأكبر قدر من القوة الناعمة المتمثلة في نمط الحياة والحلم الأميركيين.
كان لافتاً ارتداء وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، سترة واقية من الرصاص أثناء زيارته لبغداد، وهو ما لم يفعله خلال زيارته لعواصم عربية أخرى
وعلى خلفية تلك الحرب، قامت إدارة بايدن باستقدام أساطيلها إلى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، فأرسلت حاملتي الطائرات "أيزنهاور" و"جيرالد فورد" ومجموعة السفن الحربية التابعة لهما، كما أرسلت الغواصة النووية "أوهايو" إلى منطقة غرب آسيا.
إنّ مياه البحر الأبيض المتوسط باتت تعج اليوم بعدد كبير من القوات الأميركية بذرائع وحجج واهية، على غرار حماية "إسرائيل"، وحماية قواعدها العسكرية الأميركية في المنطقة، والاستعداد لأيّ تدخل طارئ قد تقتضيه الظروف.
وفي خضم أجواء تلك الحرب، تحوّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغارق في أتون حربه على أوكرانيا، فجأة، إلى محلّل سياسي، يطرح تساؤلات حول الهدف من وراء الحشود الأميركية غير المسبوقة في المنطقة، وتناسى كلياً أنّه طالما نادى بنظام دوَليّ متعدّد الأقطاب.
كما سارع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في الذهاب إلى واشنطن وشرب "شاياً بالياسمين" مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، وذهب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى نيويورك، من دون أن يتمكن من زيارة واشنطن التي كان يتطلّع إلى زيارتها منذ توليه منصبه.
بناء على ما تقدّم، فإنّ المؤشرات تدلّل على أنّ الولايات المتحدة الأميركية تقوم في الوقت الراهن بالعمل على إخضاع كافة دول منطقة الشرق الأوسط (بما فيها "إسرائيل") لسطوتها المباشرة، بآليات وتكتيكات مختلفة بين حالة وأخرى. وقد كان لافتاً ارتداء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سترة واقية من الرصاص أثناء زيارته إلى بغداد، وهو ما لم يفعله خلال زيارته إلى عواصم عربية أخرى، فهل هذا دلالة على تصاعد وتيرة الصدام العسكري في المنطقة المصنّفة وسطى بحسب التصنيف الأميركي في القادم من الأيام؟