نضالات سامة.. من وحي الحراك التعليمي في المغرب

06 فبراير 2024
+ الخط -

لا أخفي على القارئ الكريم سرًّا، إذا قلت، إنّ هذا المقال، كُتب بوحيٍ من الحراك التعليمي الذي شهده المغرب خلال الأشهر القليلة الماضية. والهدف من كتابته ليس الحراك التعليمي بحدّ ذاته، بقدر ما هو منطلق للتفكير في هذا الشكل من الأشكال الاحتجاجية، باعتبارها انتفاضات عفوية تدفع مجموعة من المواطنين، للانتفاض في وجه ظلمٍ تعرّضت له من طرفِ جهةٍ ما. 

ولن يقتصر هذا التأمّل على الحراك التعليمي، بل سيتعداه ليلامس باقي الحراكات التي شهدها المغرب منذ الربيع العربي، باعتباره لحظة فارقة في النضالات الشعبية، المطالبة بإقرار العدالة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية...)، دون أن يدّعي هذا المقال لا الشمولية ولا حتى العلمية، بل هي انطباعات أولية أحاول من خلالها طرح بعض التساؤلات، أو إعطاء وجهة نظر حول هكذا احتجاجات تُراهن على تجاوز مؤسسات الوساطة التقليدية (الأحزاب والنقابات).

يُحسب لهذا الحراك الكثير من نقاط الضوء، إلا أنّ توالي الحراك أبان عن حدوده، وأهمها أنّه ولّد أجواء مشحونة في الجسم التعليمي، فانزاحت الكثير من النقاشات الدائرة في وسائط التواصل الاجتماعي عن الاتجاه الصحيح، وأصبح البعض يخوّن البعض الآخر، أو يتهمونهم بالعمالة، بسبب الاختلاف في الرأي. وهذا مرتبط بتقديرات الفاعلين الميدانيين حول الخطوات التي يجب أن تُتخذ، حيث بدأت بعضُ الأصوات ترتفع محرّضةً على الفئات الأخرى أو على بعض العناصر من داخل الهيئة نفسها، فأثّرت هذه المناوشات (وإن بدت للبعض جانبية) على معنويات الجميع، وبالتالي على صمود الجبهة الداخلية وتماسكها. 

من هنا يجب علينا أن نتساءل عن هذه المظاهر السلبية، أسبابها ودوافعها، وإذا اقتضى الأمر، القيام بنقدٍ ذاتي يجنّبنا الانزلاقات التي عرفها هذا الحراك والعمل على تجنّبها خلال الحراكات القادمة، فمبدأ الكر والفر (أو التدافع البشري) مبدأ أصيل في التجمّعات البشرية، وضروري لتطوّر المجتمعات ورقيها. 

أخطر مرض يمكن أن يصيب أيّ حراك، وقد يكون سببًا في تدميره هو شعار كلّ شيء أو لاشيء

أخطر مرض يمكن أن يصيب أيّ حراك، وقد يكون سببًا في تدميره: العدمية، أي شعار كلّ شيء أو لا شيء. فأيّ حراك تسطو عليه العناصر الراديكالية المنتجة للخطابات الشعبوية التبسيطية، التي ترى أنّ من واجبها أن تقلب الطاولة على الجميع، يدفع ثمنه الحراك، ويسير به إلى الهاوية.

تحصين الحراكات يمرّ أساسًا (حسب اعتقادي) عبر التأسيس لقاعدةٍ نظرية متينة يستند إليها الفعل النضالي وتؤطّر عمل الفاعلين فيها، ليتحوّل الحراك إلى شكل مهيكل من المؤسسات، بمعنى أن يتحوّل إلى شكلٍ من أشكال التنظيم المدني، وإلّا فإنّ الحراك سيتحوّل إلى سحابة صيف عابرة، أو يتحوّل إلى رمادٍ بعد أن يستنفد مقوّمات ديمومته. 

إنّ المُعوّل عليه هو حركة اجتماعية قاعدية، تنهض على أسس متينة تضمن لها الاستمرارية والتطوّر، غير هذا فأيّ نضال مع توالي الأيام والتناقضات الداخلية، لن يوّلد إلّا مثل هذه النضالات السامة.

مدونات أخرى