ماذا تريد أفريقيا من الصين؟
من خلال مُتابعتي لبعضِ ما نُشر وأُذيع من تحليلاتٍ رافقت انعقاد منتدى التعاون الصيني الأفريقي، لاحظتُ أنّه في الغالب الأعم يتم التركيز على السؤال: ماذا تريد الصين من أفريقيا؟
وبطبيعة الحال، الجواب المعمّم يقول إنّ الصين ترى في أفريقيا مصدرًا للثرواتِ الطبيعيّة، وكذلك سوقًا ضخمة لمُنتجاتها. هذا على المستوى الاقتصادي، أمّا على الصعيد الديبلوماسي، فإنّ الصين تعتبرُ أفريقيا ساحةً لتوسيع نفوذها مع تآكل النفوذ الأميركي، والغربي من ورائه. وبالنسبة لي، وباعتباري مواطنًا أفريقيًا، السؤال الذي يهمّني أكثر هو: ماذا تريد أفريقيا من الصين؟
إنّ العلاقات بين الدول والمجموعات تُبنى على عدّة مستوياتٍ، ومن خلال عدّة مناحٍ: اقتصادية، سياسية، ثقافية... وهذا بطبيعة الحال هو ما يمكن أن يجمع الصين بأفريقيا. إلّا أنّ المُلاحظ هو التركيز في هذه العلاقة على الجانب الاقتصادي، خاصة لدى صانعي القرار من الجانبين. أظنّ أنّ هذا التركيز على الجانب الاقتصادي يُخفي لدى الطرفين النيّات الحقيقية من وراء هذه الشراكة. وبالتالي، أستطيع القول، إنّ العامل الاقتصادي ما هو إلى الجزء الطافي من جبل الجليد. وما يعزّز هذا الطرح، هو حجم الاقتصاد الأفريقي الذي لا يمثّل إلّا جزءًا بسيطًا من الاقتصاد الدولي أو التجارة العالمية، إذ لا يمكن مثلا مقارنته بالعلاقات الاقتصاديّة ما بين الاتحاد الأوروبي والصين أو الولايات المتحدة الأميركية والصين. وبالتالي فإنّ العوامل الأخرى هي الفاعل الرئيسي في هذه العلاقة.
إنّ العلاقة بين الصين وأفريقيا يمكن فهمها في ظلّ الصراع الجيوستراتيجي العالمي ما بين الغرب والصين على النفوذ. إذًا، بالنسبة للصين، يكون الجواب عن السؤال (ماذا تريد الصين من أفريقيا) واضحًا. دعونا الآن ندقّق في السؤال: ماذا تريد أفريقيا من الصين؟
إنّ إطلالةً سريعةً على القارة الأفريقية يُظهر بجلاء تصاعد النزعات الشعبويّة المُعادية للغرب، وهذه النزعة تغذّيها مغامرات الفتيّة (وبعض الشيوخ للأسف) المدنيين والعسكريين أساسًا، الذين يريدون العودة بالدول الأفريقية إلى نقطةِ البداية وإجهاض محاولات بناء دول ديمقراطية بكلِّ ما للكلمة من معنى.
إنّ العلاقة بين الصين وأفريقيا يمكن فهمها في ظلّ الصراع الجيوستراتيجي العالمي ما بين الغرب والصين على النفوذ
من هنا يمكن أن ندرك الأهميّة التي يمكن أن تلعبها الصين، إنّها بمثابة طوق النجاة للعديد من الأنظمة الأفريقية الناشئة أو الطارئة، والتي، لأجل تبرير تقويضها للديمقراطيات الفتيّة، تحتاجُ إلى المال لتمويل مشاريعها التنموية المُكلفة، أو لتغذيّة صراعاتها الداخلية أو الخارجية المدمّرة، كما تحتاج السلاح والعتاد، لجيوشها، خاصّة وأنّ الدول الغربية أصبحت تربط، في الكثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى بشكلٍ كاريكاتوري، بين المساعدات المالية أو التعاون العسكري، باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد. وعليه، فإنّ هذه الأنظمة وجدت في الصين، دون أن ننسى روسيا، حليفًا استراتيجيًّا "يساعد الدول الصديقة دون التدخل في شؤونها الداخلية".
إنّ أفريقيا في محاولةٍ لاستنساخِ النموذج الصيني "الناجح"، وعلى الأرض تجري عدّة محاولاتٍ حثيثة لذلك، تُخاطر بإجهاض أيّ تطلّعاتٍ مشروعة لمواطنيها التوّاقين رغم كلّ شيء، للحريّة والكرامة والمساواة، ولنا في طوابير الموت العابرة للقارات والصحاري والمحيطات والبحار للوصول إلى أوروبا، خير مثال على ذلك.
لا أعتقد أنّنا أمام علاقة صحيّة مبنيّة على مبدأ رابح رابح بين الصين وأفريقيا، بل نحن أمام نفس السيناريو الذي عشناه منذ الاستقلال، الجديد فيه أنّنا سننتقل من الهيمنة الغربيّة إلى هيمنةٍ جديدة، هذه المرّة بشعاراتٍ جوفاء ومشاريع وهمية، لن تعطي إلا نفس النتائج، ولن تزيد إلا في تفاقم أزماتِ قارّتنا الاقتصادية والاجتماعية.
يردّد المغاربة مثلًا يمكن أن يلخّص مآلاتِ هذه العلاقة منذ الآن، إذ يقول المثل المغربي: "صديقك الجديد، لن يكون بالضرورة، إلّا أسوأ من صديقك القديم". أتمنى أن أكون مخطئًا، وألا يكون هذا المثل صحيحًا في حالتنا هذه.