مملكة البلح

30 سبتمبر 2023
+ الخط -

لم يطبع كتابه في أي دار نشر. طبعه على حسابه الخاص في مطبعة اسمها مطبعة النجاح، تطبع أوراق الانتخابات وملصقات الإشهارات وأفيشات الأفلام.

حمل كرتونة على ظهره مليئة بالكتب. استقل الكار فجراً بعد أن حشر الكتب مع البضائع. وصل بعد التاسعة صباحاً بقليل. اقتعد كرتونة الكتب وأفطر بزلافة بيصارة ساخنة. حمل الكرتونة من جديد على ظهره قاصداً معرض الكتاب.

سأل بعض المارة: أين يوجد موسم سِيدي الكتّاب؟ دلوه عليه مستغربين لهجته وشكله وهندامه والكرتونة فوق ظهره وقد تعرق رغم أن الفصل شتاء. وصل أخيراً. أفرجت شفتاه عن ابتسامة ظفر عريضة. قصد بوابة المعرض مهرولاً كي لا يضيع مزيداً من الوقت. اصطدم ببوابة الزجاج الشفافة فسقطت الكرتونة عن ظهره وتشتتت الكتب على الرصيف.

قصده حارسا الأمن بسرعة مستنفرين معتقدين أنه إرهابي. فتشاه، لم يجدا شيئاً. ماذا تريد؟ سأله أحدهما وقد كان جلفاً. أنا كاتب، أجاب. حسناً، لا يبدو عليك أنك كاتب بهذا الشنب وهذا الحذاء وهذه الكرتونة، ثم إنك لا تضع على رأسك بيرية حتى، هل تملك بطاقة عضوية أو بطاقة فنان أو شيئاً من هذا القبيل كي نسمح لك بالدخول؟ لا. إذن لن تدخل، إذهب من هنا. حسنا، قال. وهمّ بجمع كتبه بخيبة أمل كبيرة وإعادتها إلى الكرتونة.

بدا العنوان مكتوباً بوضوح على نسخة: مملكة البلح. سحب الكرتونة جانباً وجلس فوقها ليستريح قليلاً وليخمن أي ورطة هذه التي وقع فيها. بدا له أن الجميع يدخلون إلى المعرض ويخرجون كالنمل بسهولة، كتّاب وناشرون وقراء وأطفال وفضوليون، على صدور بعضهم بادجات. إلا هو، فقد منع لسبب مبهم. لم يقبل بهذا الأمر، لم يقبل به بتاتاً.

أخرج الكتب وفرشها أرضاً. ثم أخذ يصرخ: كتاب بعشرة دراهم، لا غلاء على مسكين، عشرة دراهم فقط، مملكة البلح بعشرة دراهم فقط، اقرأه وإن لم يعجبك أعده وخذ نقودك.

تجوّق حوله بعض الفضوليين، ثم تضاعف عدد المتجوقين حين رأوا أن الجميع يتجوق. بعضهم يحمل الكتاب ليتصفحه، وبعضهم يخرج من جييه عشرة دراهم يدفعها للكاتب ويضع الكتاب داخل حقيبته مع الخضار واللحم والفواكه والبقدونس...

فضوليون آخرون حين رأوا أن الجميع يشتري أخرجوا المال من جيوبهم واشتروا هم أيضاً قبل أن ينفد دون حتى أن يقرأوا العنوان أو أن يتصفحوا الكتاب.

الحارسان ظلا يراقبان المشهد بفمين مفتوحين من الدهشة وعيون صغيرة غبية. امتلأ جيبه بالصرف، زادت حماسته، فضاعف صراخه وتبريحه: ما بقاش ما بقاش، عشرة دراهم فقط، البلح بعشرة دراهم فقط، بلح.. بلح.. بلح.. بلح طازج.. لا غلاء على مسكين.

باع كل الكتب في نصف ساعة، حدق في الحارسين بفخر، وبشماتة خفيّة أيضاً. ثم هرول إلى الكار، قاصداً مدينته النائية، من أجل ملء كرتونة أخرى والإسراع بها إلى المعرض قبل نهايته.

محمد بنميلود
محمد بنميلود
كاتب مغربي من مواليد الرباط المغرب 1977، مقيم حاليا في بلجيكا. يكتب الشعر والقصة والرواية والسيناريو. صدرت له رواية بعنوان، الحي الخطير، سنة 2017 عن دار الساقي اللبنانية في بيروت.