غزّة تنزف... هل يسمع العالم؟
لقد مرّ واحد وسبعون يومًا، وغزّة غارقة في واقع مروّع من العدوان الوحشي على سكانها العزّل وأحيائها، فيما العالم كان ولا يزال متفرجًا صامتًا، ولا يقدّم سوى الكلمات الفارغة والإدانات والاستنكارات في تصريحات ترقى إلى مستوى الخيانة. واحد وسبعون يومًا من الخيانة والوحشية والصمت، فيما غزّة تُسحق تحت وطأة الألم والدمار.
الصمت المطبق لا يقتصر على أنقاض غزّة؛ بل يتردّد صداه عالميًا، ويكشف عن فشل الدول في التحرّك ضد الوحشية الإسرائيلية. أمّا الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة التي تتمتع بسلطة وقف الحرب، فقد اختارت بدلاً من ذلك أن تمارس حق النقض (الفيتو) خلال التصويت في مجلس الأمن لإيقاف الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، مرسلة بذلك رسالة واضحة مفادها أنّ دماء الأبرياء في غزّة لا قيمة لها. إنّ الصمت يحكي الكثير، ويعكس لامبالاة الدول وفشلها في حماية أهل قطاع غزّة الصامد.
وفي قلب هذا الصراع يكمن الدعم الذي لا يمكن إنكاره، والذي يتلقاه الاحتلال الصهيوني من الولايات المتحدة الأميركية. فطوال المعركة، زوّدت أميركا إسرائيل بالأسلحة اللازمة لتدمير وقتل أطفال غزّة والمدنيين الأبرياء، علمًا أنّ هذه الحرب ليست ضد حماس أو المقاومة، بل ضد الأبرياء، مما يعكس الاستهتار الصارخ بحياة الإنسان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يستهدف الاحتلال الصهيوني المنازل ويقتل الأبرياء في غزّة؟ وهل حقّق الاحتلال أهدافه في هذا القتال مع المقاومة؟ الجواب المدوّي هو لا. لأنّه، وبكلّ بساطة، المقاومة صامدة لا تتزعزع في التزامها بجهاد النصر أو الشهادة. لقد كُتب لهذه المعركة أنّ تكون شاقة، وأن تكون نضالاً في سبيل الله عزّ وجل، حتى ولو كلف ذلك أرواح المقاومين البواسل.
إنّ الحرب التي تُشن ليست ضد حماس أو المقاومة، بل ضد الأبرياء، مما يعكس الاستهتار الصارخ بحياة الإنسان
وبينما يراقب العالم بصمت، تقف غزّة وحدها، متروكة لمواجهة عدوان وحشي أودى بحياة نصف سكانها. ويظهر التناقض صارخًا عند مقارنة الاستجابة الدولية تجاه غزّة بما حدث في صراعات في مناطق أخرى. فعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، اتحد زعماء العالم لإخماد النيران. وحتى الدول العربية تدخلت للحصول على حل. ومع ذلك، عندما يتعلّق الأمر بغزّة، يسود غياب واضح للتدخل، ما يعكس المعايير المزدوجة الصارخة، وهو الأمر الذي يثير التساؤلات: لماذا هذا الصمت المطبق عندما يتعلق الأمر بغزّة؟ هل شعب غزّة لا يستحق العيش في سلام وأمان؟
وفي مواجهة هذه الخيانة العالمية، فإنّ غزّة ليست وحدها. فمرونتها تنبع من مصدر أقوى بكثير من أيّ ترسانة عسكرية، أي من الإيمان الذي لا يتزعزع بوجود قوة أعلى. وبينما يغضّ العالم الطرف، تقف غزّة صامدة بقوة الله تعالى وتأييده.
قد يكون تخلّي العالم عن غزّة حقيقة مريرة، إلا أنّ قوّة غزة تكمن في روحها التي لا تقهر، وفي اقتناعها بأنّها ليست وحيدة، حتى عندما يتخلّى عنها العالم. إنّ غزة، وبوجود الله عزّ وجل إلى جانبها، تواجه العدوان بشجاعة تتجاوز حدود الاحتلال الصهيوني الجبان، الذي يعتمد فقط على قواته العسكرية المشلولة.