المغرب وشبيبة العهد الجديد العقيمة
يتزامن الدخول المدرسي والجامعي في المغرب هذه السنة وانطلاق فعاليات مهرجانات فنية وموسيقية عديدة، مستهدفة فئة الشباب بالأخص. عرفت هذه التظاهرات الفنية أعداداً كبيرة من الحجاج الشباب من مختلف المدن المغربية قُدّرت بعشرات ومئات الآلاف، غير آبهين بمصاريف التنقل والارتحال، خصوصاً في هذه الظروف التي عرف فيها معدل 79.2% من الأسر المغربية تدهوراً لمستواهم المعيشي خلال هذه السنة الأخيرة، بحسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط.
لا يمكن مناقشة حق الشباب في الترفيه، وحريتهم في ممارسة أنشطتهم الثقافية والفنية، لكن مناقشة الممارسة وإطارها العام وظروفها إنما هو بالأمر المشروع. فبعد مشاهدتنا أحداث الشغب التي عرفها المهرجان الأخير المنظم بمدينة الدار البيضاء، من فوضى واعتداءات جنسية وجسدية بحسب ما تناقلته المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن التطبيع مع استهلاك المخدرات، من خلال الندوات الصحافية للفنانين المشاركين برعاية من وزارة الثقافة، لا بد لنا من طرح مجموعة من التساؤلات المشروعة حول وضعية الشباب المغربي ومستقبله.
التنظيم لهذه المهرجانات الغنائية الموسيقية في هذه الظروف الغامضة التي يعبرها المغرب يبعث على الاستغراب. من جهة، الظرفية الاقتصادية الحرجة وما يطبعها من ركود وتضخم وجفاف وتقهقر للقدرة الشرائية للمواطن، ومع ذلك الإنفاق على هذه الأنشطة، وعلى قطاعات أخرى لا تعتبر من الأولويات في هذا الوضع الطارئ، وعلى سبيل المثال الصفقة المغربية – الإسرائيلية التي حصل بموجبها المغرب على معدات وآليات حربية عسكرية جديدة، لم نتمكن من الاطلاع على تفاصيلها ولا تكلفتها، بل وحتى إن الخبر لم تفصح عنه جهات محلية رسمية أو غير رسمية، وإنما جرى نقله عن طريق صحيفة يومية إسرائيلية؛ أما مهرجان "الرباط عاصمة للثقافة الأفريقية" وحده فقد استنزف حوالي 80 مليون درهم من ميزانية الدولة في حوالي أسبوع فقط، وهذا يعطينا فكرة عن التكلفة الإجمالية لكل هذه المهرجانات السابقة والقادمة، وعن الغرض من تنظيمها في هذه الظروف، فاختيار الوقت والظرفية ليس اعتباطياً، وإنما عن قصد.
لا يمكن للنظام المغربي أن ينكر معرفته الحقّة بأن هذا الجيل الجديد ليس إلا نتاج سياساته التجهيلية المهمِّشة للعلم والمعرفة
من جهة أخرى، الوضع السياسي يتسم بغموض وجمود مريبين، الجميع يتساءل عن الوضع الصحي للملك محمد السادس، والسبب الرئيس وراء إقامته في ضيافة "صديقنا الرئيس"، بالرغم من المشاحنات طويلة المدى التي تعرفها العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا، وعن كيفية إدارة شؤون الدولة في غياب المؤسسة التي تتربع على قمة هرم صنع القرار، إضافة إلى حالة الطوارئ الصحية المعلنة في البلاد التي لم تنتهِ وزارة الداخلية من تمديدها، حتى بعد إعلان نهاية الوباء. فعلاً يمكننا القول إن هناك طوارئ.. لكنها ليست صحية حتماً.
هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها الطابع العنيف والسائب للشباب الذي يرتكز عليه المغرب لاستدراك تأخّره التنموي، ومحاولة تحويل وهم "القوة الإقليمية" ومغرب النموذج التنموي الجديد إلى حقيقة. فرصته محكومة بالوقت، فهو يتمتع الآن بنافذة الفرصة الديمغرافية إلى حدود سنة 2040، حيث إنّ نسبة الساكنة المعالة تعرف استقراراً بنسبة 50% ونسبة الساكنة النشيطة العائلة الأكثر أهمية قادرة على تحسين مستوى النمو، وبالتالي رفع مستوى الدخل الفردي. عدا عن أنه دون الأخذ بعين الاعتبار السياسات والبرامج القائمة، فإن وضعية الشباب الآن وحدها كافية لقراءة فنجان المغرب.
يبلغ عدد الشباب المغاربة المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة حوالي 5.9 ملايين شاب، بينهم 448.000 عاطل عن العمل، 4.478.000 شاب غير نشيط و1.534.000 لا هم متمدرسون، ولا يشتغلون ولا يقومون بأي عمل أو نشاط. أما بالنسبة للشغيلة الشابة المتوفرة على عمل نظامي وبالشروط القانونية اللازمة فلا تتمثل إلا في 125.299 شخصاً، ما يعني أن ما يناهز 40.57% من الشباب مستقبلهم على المحك وسائرون نحو المجهول، هذا دون الخوض في تحليل وضعية المتمدرسين المتمثلين في حوالي 3.380.890 تلميذاً/ة وطالباً/ة، ومحاولة التنبؤ بنسب المتخرجين والمنقطعين منهم. تأمل هذه الأرقام والنسب المهولة والمخيفة الصادرة عن جهات رسمية يدفعنا إلى التساؤل بدافع فطري: ماذا ستفعل الدولة بهذه الشبيبة العقيمة الجاهلة للمعرفة والقيم والمبادئ؟ أو بالأحرى كيف ستتخلص منها؟
لا يمكن للنظام المغربي أن ينكر معرفته الحقّة بأن هذا الجيل الجديد ليس إلا نتاج سياساته التجهيلية المهمِّشة للعلم والمعرفة، المعمِّمة للتفاهة والرداءة وميَسرة الحصول على مخدرات العقل ومجمدات التفكير. لكنه يتفادى الاعتراف بالخطر الذي تشكّله هذه الفئة على استمراريته ووجوده من الأساس، لأنها تجمع بين الجهل والحقد الذي تحمله في كيانها، وليد الظلم والتسلط والقمع؛ فمن تخوّل له نفسه اغتصاب مواطنة -أمام الملأ- يتشارك معها الهواء والهوية، ويتقاسمان المصير عينه على الأرض نفسها، ومن يلحق بمواطن مثله، رجل أمن كان أو رفيقاً، إعاقة دائمة أو أذى عابراً، لن يمنعه أي زاجر من أن يغتصب الوطن، ويقتحم إقامة سفير أو وزير أو حتى قصر ملك.