ليس مهماً ما إذا كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سيكمل ولايته. الأهم أن التجربة الديمقراطية الأميركية محل شك كبير، داخل أميركا قبل خارجها، وهي، وإن رسخت قيم الحرية الفردية، إلا أن الطبقة العليا الحاكمة ظلت حبيسة خيارات النخبة ذاتها.
أنتج ارتفاع عدد السكان في السعودية، وتراجع مقدرة الجهاز البيروقراطي على استيعاب أعداد أكبر من الشباب الباحث عن عمل، وانهيار أسعار النفط، وبالتالي وضع مزيدٍ من الضغط على الحكومة من أجل إعادة هيكلة السوق السعودي، انقلابا حقيقيا في المشهد.
تُشكّل حرية الفرد، وكذا تحرّره من أغلال الدولة، الحجة الرئيسية في نقاش تحرير الأسواق من تدخل الحكومة، أو أي جهةٍ خارجية، على اعتبار أن من شأن أي تدخل في تحديد وجهة الموارد والمنتجات أن يتحكّم في الخيارات.
فتح نشاط السياحة والترفيه في السعودية للاستثمار سوف يدر أموالاً طائلة على الصندوق الاستثماري، وعلى رأس المال الوطني، لكن السياحة لا تنجح من دون حرية، كما أنها لن تغير اعتماد الاقتصاد الكلي على النفط، ولن تشكل بديلاً آمناً عنه.
يعرف السعوديون، قبل غيرهم، أن الوضع السابق لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. لذا فإن تحميل إنتاجية المواطن، والقطاع الخاص، المسؤولية يمكن أن يمر مؤقتاً، لكن المشكلة إذا لم تجلب السياسة والآليات المتبعة الأفضل للناس، فكيف ستكون ردة الفعل المتضرّرين؟
المركز في الوطن العربي للسياسي، وأحياناً كثيرة، يكون السياسي ممثلاً لمصالح القوى الكبرى في المنطقة، لذا تجده يحتكر الإعلام والدعم المادي، وتسلط عليه الأضواء، وطمس البقية، كما حصل ويحصل، من تضخيم لحجم جماعات الإسلام السياسي، السنية والشيعية، في المشرق العربي.
بفضل النفط، انتقل مجتمع الجزيرة العربية من كونه مجتمعاً هامشياً منعزلاً عن العالم، لتصبح دوله في قلب الصراع الدولي، ينظر معظم ساسة الكوكب إلى استقرارها السياسي والأمني بحذر، من أجل الاطمئنان على تدفقاتها النفطية التي تضمن استقرار الاقتصاد العالمي.
ثمّة ردة عن النموذج الريعي، بل توبة نصوحاً غير صريحة عن مخرجاته، لصالح نموذج الرأسمالية الحديثة، كي تستقيل الدولة من وظيفتها، في توفير الخدمات الأساسية وضبط أسعارها، ودعم بعضها، كي يتوازن المجتمع، وينعم بالاستقرار.
ولّدت مساعي الاستحواذ على المذاهب الدينية، واحتكار تعريفها الجمهور العام، صراعاتٍ غير منتهية. على عكس ما تدّعيه النظريات السيسيولوجية الحديثة، تلك التي روّجت أن التواصل بين المختلفين، والحوار المفتوح بين الجماعات العقلانية، سوف يهزم عقلية الصراع.
تُختزل موبقات الحداثة في التحريض على الدولة، ليس لصالح نموذجٍ أفضل، بقدر ما هو مدّ الجماعات الما قبل دولتية بالعدّة الإيديولوجية اللازمة. بمبرّر أن الدولة الوطنية أدت إلى ازدهار الماديات، وقادت نحو تفكّك الأسر، والجماعات التقليدية، لصالح فردانية أنانية مقيتة.