23 مايو 2017
عن القطاع الخاص في السعودية
ليس غريباً أبداً رمي لائمة الركود الذي يضرب اقتصاد الدول الريعية على المواطنين البسطاء، وسوء إنتاجيتهم، واتهام القطاع الخاص بالاتكالية، وأنه لا يتنفس إلا عبر أنابيب النفط، فسياسة التهويل المتبعة تهدف إلى إقناع الناس بقبول خطة التقشف، والسكوت عن "الإصلاحات" المنتظرة، مهما كانت مجحفة وقاسية من دون تبرّم، فالكل هنا تحت طائلة الاتهام، باستثناء المسؤول عن الوضع الراهن.
بعد مجموعةٍ من التصريحات المستفزة التي تفضل بها مجموعة من الوزراء السعوديين، توقَّف الناس عن دراسة أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية، وكيف لنا، دولة ومجتمعاً، نمر من طفرة نفطية إلى أخرى، من دون أن نتعلم إدارة مرحلة الركود، أو كيف نستفيد من مواردنا الطبيعية والبشرية الاستفادة التي تجعل من سقوطنا، بعد كل طفرة، سقوطاً متوازناً، بحيث يدفع الجميع الثمن، بحسب وزن استفادته من الريع، لا أن تفرض ضريبة القيمة المضافة على الجميع بالمستوى نفسه، فلا يتأثر الكبير، ويتأذّى الصغير. بالإضافة إلى أن الدعاية التي بُثت ركزت على إسراف المواطن وتبذيره، وضعف إنتاجيته (صرح وزير بأن المواطن السعودي في القطاع العام يعمل ساعة في اليوم فقط) من دون مساءلة الحكومة عن مصاريفها وسياستها التنموية السابقة. انحصر النقاش، فيما إذا كان المواطن السعودي قادراً "فيزيولوجياً" على العمل في وظائف مهنية متدنية. بكلمة أخرى، تم حصر النقاش العام في "إنتاجية الموظف"، وفي استجابة القطاع الخاص لخطط السعودة واستقلالية هذا القطاع عن الدولة.
في البداية، لا بد من تسليط الضوء على حقائق تاريخية تدحض هذه الادعاءات، ومنها أن المواطن السعودي، عندما عمل في القطاع الخاص، بدأ بمهنة "عامل عادي"، في شركة أرامكو السعودية، ولم يعترض على طبيعة المهنة، إنما كان اعتراضه على ظروف العمل، والتمييزين، الطبقي والوظيفي، لصالح الجنسية الأميركية التي كانت تدير أغلب قطاعات
الشركة، وتستمتع بامتيازاتٍ لا حصر لها، في حين يعيش الموظف السعودي في ظروف سيئة، وقد خاض العامل السعودي في حينها نضاله الحقوقي، من خلال "اللجنة العمالية" التي ترأسها عبد الرحمن السنيد ورفاقه، في منتصف الخمسينيات، حينما كانت ظروف العمل عسيرة فعلاً، لكن الإضرابات العمالية في شركة أرامكو قادت إلى أسوأ قرار حصل في تاريخ السوق السعودي، فعوضاً عن تطوير بيئة العمل في القطاع الخاص، وجعلها أكثر ملاءمة للمواطن، شُرعت أبواب الاستقدام للعمالة الأجنبية. بهذا بدأت تدريجياً السوق تخسر قوة العمل المحلية لصالح الأجانب، وقد سعد القطاع الخاص بالتكلفة المنخفضة للعامل الأجنبي، وقبوله بالظروف اللاإنسانية التي يوضع فيها، حيث راكم الرأسماليون مزيداً من الأرباح، في حين راحت الحكومة توسّع من جهازها البيرقراطي، وتكدِّس المواطنين الباحثين عن وظائف، نوعاً من آليات توزيع الريع، فأصبح من الصعب على الاثنين (المواطن والتاجر) تقبل العودة إلى نقطة البداية.
في مكان آخر، لكن ليس بعيداً، يلاحظ مختصون كثر درسوا الاقتصاد السعودي أن القطاع الخاص يحتاج إلى إصلاح، فليس له مقدرة على الصمود طويلاً في وجه التقشف، بسبب ارتباطه المباشر بميزانية الدولة. لا يمكن أخذ هذا التوصيف مسلمة. يمكن تقسيم القطاع الخاص السعودي إلى مرحلتين، ما قبل الطفرة الأولى وما بعدها. يشمل الفريق الأول العائلات التجارية التي كانت قبل النفط، واستمرت في مزاولة الأعمال التجارية، وكذلك بعض العوائل التي دخلت لاحقاً وبنت نفسها بنفسها، ولم تكن مرتبطة ارتباطاً عضوياً بعائدات النفط، لكنها استفادت لاحقاً، وسبق للأكاديمي البريطاني، تم نبلوك، أن لاحظ، في كتابٍ له أن القطاع الخاص السعودي كان أكثر استقلالية قبل الطفرة النفطية. الفريق الآخر هو الذي يعتمد كلياً على موارد الدولة ومناقصاتها المباشرة. وقد تشكل هذا الفريق في الأساس بعد الطفرة، من خلال العلاقات مع بعض المتنفذين، فلمسؤولين كثيرين شراكاتهم الخاصة التي يديرها بالنيابة عنهم آخرون، وهؤلاء أكثر من يتضرّر بإغلاق حنفية البترودولار، كما تناوله بتفصيل أكثر، ستيفن هيريتوغ، في بحثه عن النخبة الاقتصادية في المملكة.
تحث الرؤية الاقتصادية المطروحة على ضرورة تقليص القطاع العام، وتوسيع القطاع الخاص.
لذا باشرت الحكومة في خفض بدلات القطاع العام، وأوقفت التعيين فيه، وراحت تشرع القوانين للضغط على القطاع الخاص للتخلص من العمالة الأجنبية التي تشكل ما مقداره 85% من العاملين، لكن تطبيق هذه الخطة دونها عقبات، أولها، كيف يمكن إعادة الأمور إلى نقطة البداية، بعد أن عاش مواطنون كثيرون "رخاء" الوظائف الحكومية التي لا تتطلب العمل ساعات طويلة، ولا يُطلب من الموظف تحقيق أهدافٍ جدية، في الوقت نفسه، الذي تلغي فيه الحكومة مشاريع بقيمة 200 مليار، فكيف لهذا القطاع الخاص أن يولّد وظائف جديدة وهو في حالة ركود.
يعرف السعوديون، قبل غيرهم، أن الوضع السابق لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. لذا فإن تحميل إنتاجية المواطن، والقطاع الخاص، المسؤولية يمكن أن يمر مؤقتاً، لكن المشكلة إذا لم تجلب السياسة والآليات المتبعة الأفضل للناس، فكيف ستكون ردة فعل المتضرّرين؟
بعد مجموعةٍ من التصريحات المستفزة التي تفضل بها مجموعة من الوزراء السعوديين، توقَّف الناس عن دراسة أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية، وكيف لنا، دولة ومجتمعاً، نمر من طفرة نفطية إلى أخرى، من دون أن نتعلم إدارة مرحلة الركود، أو كيف نستفيد من مواردنا الطبيعية والبشرية الاستفادة التي تجعل من سقوطنا، بعد كل طفرة، سقوطاً متوازناً، بحيث يدفع الجميع الثمن، بحسب وزن استفادته من الريع، لا أن تفرض ضريبة القيمة المضافة على الجميع بالمستوى نفسه، فلا يتأثر الكبير، ويتأذّى الصغير. بالإضافة إلى أن الدعاية التي بُثت ركزت على إسراف المواطن وتبذيره، وضعف إنتاجيته (صرح وزير بأن المواطن السعودي في القطاع العام يعمل ساعة في اليوم فقط) من دون مساءلة الحكومة عن مصاريفها وسياستها التنموية السابقة. انحصر النقاش، فيما إذا كان المواطن السعودي قادراً "فيزيولوجياً" على العمل في وظائف مهنية متدنية. بكلمة أخرى، تم حصر النقاش العام في "إنتاجية الموظف"، وفي استجابة القطاع الخاص لخطط السعودة واستقلالية هذا القطاع عن الدولة.
في البداية، لا بد من تسليط الضوء على حقائق تاريخية تدحض هذه الادعاءات، ومنها أن المواطن السعودي، عندما عمل في القطاع الخاص، بدأ بمهنة "عامل عادي"، في شركة أرامكو السعودية، ولم يعترض على طبيعة المهنة، إنما كان اعتراضه على ظروف العمل، والتمييزين، الطبقي والوظيفي، لصالح الجنسية الأميركية التي كانت تدير أغلب قطاعات
في مكان آخر، لكن ليس بعيداً، يلاحظ مختصون كثر درسوا الاقتصاد السعودي أن القطاع الخاص يحتاج إلى إصلاح، فليس له مقدرة على الصمود طويلاً في وجه التقشف، بسبب ارتباطه المباشر بميزانية الدولة. لا يمكن أخذ هذا التوصيف مسلمة. يمكن تقسيم القطاع الخاص السعودي إلى مرحلتين، ما قبل الطفرة الأولى وما بعدها. يشمل الفريق الأول العائلات التجارية التي كانت قبل النفط، واستمرت في مزاولة الأعمال التجارية، وكذلك بعض العوائل التي دخلت لاحقاً وبنت نفسها بنفسها، ولم تكن مرتبطة ارتباطاً عضوياً بعائدات النفط، لكنها استفادت لاحقاً، وسبق للأكاديمي البريطاني، تم نبلوك، أن لاحظ، في كتابٍ له أن القطاع الخاص السعودي كان أكثر استقلالية قبل الطفرة النفطية. الفريق الآخر هو الذي يعتمد كلياً على موارد الدولة ومناقصاتها المباشرة. وقد تشكل هذا الفريق في الأساس بعد الطفرة، من خلال العلاقات مع بعض المتنفذين، فلمسؤولين كثيرين شراكاتهم الخاصة التي يديرها بالنيابة عنهم آخرون، وهؤلاء أكثر من يتضرّر بإغلاق حنفية البترودولار، كما تناوله بتفصيل أكثر، ستيفن هيريتوغ، في بحثه عن النخبة الاقتصادية في المملكة.
تحث الرؤية الاقتصادية المطروحة على ضرورة تقليص القطاع العام، وتوسيع القطاع الخاص.
يعرف السعوديون، قبل غيرهم، أن الوضع السابق لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. لذا فإن تحميل إنتاجية المواطن، والقطاع الخاص، المسؤولية يمكن أن يمر مؤقتاً، لكن المشكلة إذا لم تجلب السياسة والآليات المتبعة الأفضل للناس، فكيف ستكون ردة فعل المتضرّرين؟