أبكي الآن لا كما يبكي الرجال الذين أضاعوا مُلْكَهم، بل كما يبكي عاشقٌ متمرِّسٌ يرى الحبّ يذوي مثلَ شمعةٍ، غيرَ حاسدٍ الفراشاتِ المحترقات لأنه يدركُ الآن أنهنّ لسنَ أقلَّ بكاءً، فهنَّ أيضا يَبْكِين الضوءَ الذي يخفتُ رويدا رويدا.
هل يمكن للأدب أن يجمع ما فرّقته الحرب؟ هذا سؤال لطالما راود المشتغلين بالثقافة والفكر، ولا ينفك القائلون به يستشهدون بكل الثورات وما رافقها من نصوص وقصائد للشعراء والكتاب الذين عاصروها.
كيف نما البحر على اسمي وعانقني؟، أنا الترابي الذي نما من تزاوج حبتي حنطة في سهول ذلك الريف البعيد، لم أحمل من الهواء المُعفَّر بالغبار سوى سحنتي التي تميل إلى الطحين، الطحين الذي يقتاته الناس على هيئة أرغفة سمراء.
ماذا نقول لأمك وهي تلمّ عطرك المسفوح؟ ماذا نقول لمدينتك وأنت الذي حملتها وردة وردة في بيروت، وحين عدت إليها زائرا نثر الموت جسدك خميرة للكثير من شقائق النعمان في الزمن القادم؟
كنا أبناء الريف لقالق سورية، فيما كان السوريون لقالق العالم، وها نحن ذا نجمع ذكرياتنا في صرة صغيرة ونهاجر الوطن متأملين أن يعود نيسان دون أن يكون النسيان قد نال منا
انتظرتك كثيراً، مرّ عمرٌ طويل وأنا أقف في المحطة أراقب الوجوه وهي تمرّ من أمامي باتجاه المحطة التالية، أقرأ الحزن في الوجوه وأرى أيلول يتسلق الشفاه والعيون، لا ابتسامة تنقر وحدتي
بهذه البساطة وضعْتُ قدميَّ على أُولى درجات التعلّم، وكنت أقول لأبي: إني أتنفس صوتَك فحدثني عن جدك، وعن الذئاب التي فتكت بالقطيع، كان أبي يستعيد أصوات أجداده وينقلها إلي حتى كدت أتنفس العواء وارتفاع وتيرة الثغاء من أثر المجزرة الدامية.
أخاف صوت سيارة الإسعاف لأنه نذير شؤم ويحمل دائما خبرا يخمش القلب، وأكره صوت سيارة الإطفاء لأنه يترافق عادة مع وقع حوافر المصيبة، وأكره صوت سيارة النجدة لأنه يعطي الفرصة دائما للمجرمين بالتخفي ولبس دور الضحية
حيث يصير المتحدث مناورا يريد النيل من كل ذلك تحت ذرائع كثيرة ليس أقلها التهم الجاهزة، من مثل شوفيني أو سفسطائي أو عميل أو أو أو وصولا لإرهابي أو حاضنة للإرهاب.