لا تضغط زناد اللغة

19 يونيو 2015
تنمو الأشواك حين يكون الحديث متعلقا ببلد (فرانس برس)
+ الخط -
هل تعي ما تقول؟ ينطلق السؤال مثل رمح مما يعني أن الإجابة ليست غاية مطلوبة وليست هدفا بقدر ما هو -أعني السؤال- استغراب من عبارة لا تنتمي للرتم الذي اعتاده السائل من المتحدث، فضلا عن كون السائل يعتبر ما قاله الناطق غياباً أو تغييباً للوعي وانتصاراً للامنطق.

هل تعي ما تقول؟ كان في بادئ الأمر السؤال يندرج تحت بند المحبة والنقد البنّاء، غير أنه سرعان ما تنمو أشواكه وتتعتق مرارته حين يكون الحديث متعلقا ببلد، أو بقومية، أو بطيف ما.

حيث يصير المتحدث مناورا يريد النيل من كل ذلك تحت ذرائع كثيرة ليس أقلها التهم الجاهزة، من مثل شوفيني أو سفسطائي أو عميل أو أو أو وصولا لإرهابي أو حاضنة للإرهاب.


هل تعي ما تقول؟ هل حقا تبجل النحاس وتستحلي الأرجوان طمعا بتزيين الأرض بشقائق النعمان؟ هل حقا تستنكر اليد التي حملت وردة وتشرعن السبابة التي ضغطت على الزناد؟ هل تتألم لنصر حققه نصير للمساكين ويستفزك انتهاء المعركة بأقل الخسائر التي كانت ستستمر لولا أن انتهت المعركة؟ هل تستبشر بقاتل وتعلق صورته على جدار بيتك فقط لأنه أخوك؟ ألا يؤلمك ما آلم الناس وألمّ بهم بسبب من تناصرهم في السر وتعاديهم في العلن، غير أن زلات القلم وعثرات اللسان تصطادك فتقول ما يفضح مكنوناتك؟ هل تعي ما تقول؟ الشارع الذي حرثته المجنزرات كما لو أنه يُجهَّزُ لموسم الحصاد الكبير، البيوت التي بُتِرَت أطرافها وصارت الثقوب عكازاتها نحو الوجع المزمن، الأسقف التي امتزجت عليها أو بها أشلاء سكانها أو صورهم أو ذكرياتهم وذاكرتهم وتراثهم اللامادي، القُرى التي كانت وصارت مساحات خالية على خرائط الـ (google) مما يجعلها أراضي خصبة لزراعة البطاطا كما قيل كثيرا من أناس لم نقل لهم: هل تعون ما تقولون؟ لأننا نعلم أنهم لا يدركون حجم المصيبة التي يرسمونها ويلقون أنفسهم في أتونها.

فيما لم يرعووا عن قولها لنا حين صرخ أول قائل بصرخته المدوية: (نريد). كانت لفظة غريبة ليست مدونة في قاموس البلد، مما نحا بالناس نحو الخوف من المجهول، وجعلهم يعتبرونها آنذاك لفظة هجينة ودخيلة (تريد) النيل من العيش المشترك بصورته الكلاسيكية البعيدة عما (يريده) الناس حقيقة، كانت الإرادة شعوراً لا صورة له، وكان لا بد لتقريبه والتعرف إليه من ربطه بمحسوس، وليس أفضل من الرصاصة ما يمكن أن يجرد الشعور ويجعل منه نصبا تذكاريا لحقبة طويلة من القهر.

هل تعي ما تقول؟ خذ نفسا طويلا قبل أن تضغط على زناد اللغة فالكلمة رصاصة طائشة، وخذ نفسا طويلا قبل أن تقول ما قد تقول عنه يوما ما: ليتني لم أقله. لا تتصيد أخطاء أصدقائك لئلا تصبح طريدة بقائك وحيدا. سيسقط عنك أصدقاؤك يوما بعد يوم كما لو أنهم أوراق الروزنامة، إن كنت تعي حقاً ما تقول فتجهّزْ منذ الآن للخسارات ولا تأسف لاحقا لما أقحمت نفسك فيه، أما إن كنت لا تعي حقا ما قلتَه، فاعتذر من نفسك أولا ومن النجوم التي صعدت سلم السماء كي تقول أنت ما ستعتذر عنه، واعتذر من التقويم/ أصدقائك، أو من صورهم التي تُعتَبَرُ كلَّ ما بقي منهم، هم الذين غادروك بهدوء حين غدرت بهم، واستأنسْ كما فعلوا بقول صلاح إبراهيم الحسن: طعنة في الظهر لا تكفي لنبقى أصدقاء.

حين أدرنا لك ظهرنا لم نكن نتوقع أن تستلّ خناجر اللغة، فضلا عن حراب الطعن في الظهر. لن أسمي سكينك سلاحاً أبيضَ، لأنك تريد أن تدسّ بين السطور شظايا انكسار أمانيك الهشّة فتقول ما تدّعي أنك تعيه، ولن أردد على مسمعك: لو كنتَ تعلم ما أقول عذرتني.. أو كنت أجهل ما تقول عذلتكَ. أنا أعي تماما ما أوده من قولي وأعي تماما أنك لا تعي ما تقول.

(سورية)
دلالات
المساهمون