أبحثُ عن شيءٍ مختلفٍ في لغةِ النحو وأسرار الصيادين، شيءٌ يليّن من حدّة الزوارق فوق صدر النهر، ويجعل الريح أنيقةً ومرئيّةً أكثر من شجرةٍ تخلع ثيابها على بساط الدفء وتفضح علاقة الزوارق والنهر، الزوارق تجري في ذاكرةِ الريح.
هل تريدُ أن تكونَ شاعراً يخلعُ أثواب الغيم في المساء، ويضع حداً للهلع والنوم والحلم؟ هل تريدُ أن تمشطَ شَعر الحياة وتشعر أنّك الحائر بأوجاعِ الأرضِ وأمراض القصيدة؟
أتذكر شيئاً غامضا الآن، حين كنتُ أتسكّعُ في غابةِ عينيكِ، اغتصبت اللغة وأخرجت ما في قلبي من مطرِ الرغبة، كانت فوضاك الأنيقة تدثرني بجمرٍ يوقظ القشعريرة فيَّ ويخلعُ أضلاعي فوق العشب.
أقولُ الكثير من السنين وأقصد امرأة من دخان تخونني على سريرِ الريح، وتعبر أرصفة حياتي مسرعة، بوجهها المغبرّ من التشردِ وأتربة الغربة، تبحث عن مقعدٍ هادئ، بعيداً عن النسيان وزحمة المقهى
أمي ليست مفردة تكتب، أمي جمعت جمال كل الأمم، أمي وطن نمتُ في ضفافِ أنهارها، رضعتُ حليب أرضها، أكلتُ رغيف وجهها، أعدّتُ لها ما استطعت من القهر والحزن والحنين، أيتها السماء أنا لم أقتل أمي، ماتت وهي تحلم بالحرية!
أغيبُ -وأنا بلا وطن وجواز سفر وسجائر- لأكتب لأمي التي طال غيابها وصار مملاً، أمي التي تركتني وحيداً أواجه عواصف النساء وطعنات الأصدقاء بقلبي الأعزل، لأبي الذي لم يصف لي يوماً رائحة الشبع أو جسد امرأة
يا محمّد.. في آخرِ محادثةٍ كتابية كان صوت أصابعك ينزل على قلبي السكينة، قلبي الذي حرثت بساتينه المجنزرات بأسنانها، وكانت عيناي المتسلّلتين بين أكداس الضحكات وفستان فتاة فاتنة تعبرُ مسرعة، تعانق كلماتك وتُقبلها واحدةً واحدة
مثل الوطن/ مثل الهوية التي يحاولون قطع أشجارها، وحرق جذورها ويفشلون مثل شمس الحريّة الحارقة، وأرواح الشهداء التي يتبخّر ماؤها إلى الأعلى، مثل البلاد التي سارت بأبنائها نحو الحدود (أوف.. يا ترى هل تعود)؟!
كلُّ شيءٍ ناقصٌ، الأرضُ ناقصةٌ، تلتهم أجسادنا لتستر عريها، الضمائر ناقصة، تبدأ الحرب من كلمةٍ أو نقطة حبر، والثورة ناقصة أيضاً -إذا شئت سمّها ثورة وهي ثورة بالتأكيد- سرقوها قبل أن تتعلم الكلام