الكتابة.. بأبجدية أنوثتها!

17 ديسمبر 2015
أقولُ القصيدة وأنسى اسمكِ بين السطور (الفيسبوك)
+ الخط -
أقولُ قلبي وأعرف أني خسرت الكثير من الحياةِ والسنابلِ في الشوارع المؤدية إلى قلبكِ، أحاول لملمة هذا الرذاذ الذي ينسلُّ من بين أصابعي كي لا يخدش نعومتكِ، أحاول أنّ أفتح باباً لأرى روحي على الطاولة تتسلى بالقصائد والنزيف، أحاول في كلّ يومٍ ومنفى وجوع أنّ أكتب بصوتٍ واطئ عن خمسين قذيفة لا ترحم أمها، ولكني أتحدها أن تدمَّر قصيدة حب واحدة في قلبي.


أقولُ الكثير من السنين وأقصد امرأة من دخان تخونني على سرير الريح، وتعبر أرصفة حياتي مسرعة، بوجهها المغبرّ من التشردِ وأتربة الغربة، تبحث عن مقعدٍ هادئ، بعيداً عن النسيان وزحمة المقهى، بعيداً عن جنوني وأغنيتي الذابلة من فرطِ الانتظار، بعيداً خذ قلبي، لم يعد ذاك الطريق الذي ضيعته خطى الطفل في داخلي، طريق المدينة، كبرت هنا في كوخِ القصيدة مع الحزنِ والقهر وعذراء تصلّي في شوارعِ بيروت.

أقولُ النساء وأكتشف أن المرايا مخادعة، فينصهر قلبي مثل القير في طرقات القرى العارية، لا ملاذ ليّ إلا ظلِّ الشمس، أحياناً كنت أركض نحو النهر، أغسل أمعائي من الجوع وذاكرتي من الظمأ وطفولتي من الحرمان، أغسل جسدي من حريق المواعيد في ظهيرة صمتكِ، أغسلُ أيامي من الغربة والخراب وعرق الركض في أزقة الحرب، ذات ظهيرة هادئة تماماً، كانت امرأة ضاحكة تلوع الروح وتنشر قلبي المهترئ على أكوامِ الحطب ليجفّ من النساء!.

أقولُ القصيدة وأنسى اسمكِ بين السطور يبسط ذراعيه على حقولِ قلبي، يمرُ الوقت مراً وترابكِ الحار ينهال على قبري المؤجل، ثمّة شيء لم أتعلمه بعد، كيف أستطيع أن أقرأ قصيدة حبّ للمرأة الجالسة في المقبرة؟! كيف أدخل مطحنة الحوار وأصدق أن قتلي آخر السطر كان لأجلِ تفاحةٍ خارج الصحن، لستُ بريئاً بما يكفي، كان عليَّ أن أشطب تاريخ الصهيل من النص وأسكن في مرآةٍ بيضاء لأنقذ حياتي من دمارٍ مؤكد، كان عليّ أن أقتل عقارب الوقت في الانتظار ثم أقفل الباب وأنام.

أقولُ البلاد وأنا أدفع عربة الكلمات المالحة خارج الصورة، تتمزّق حنجرتي ويثور الحنين في دمي، (الحنينُ ثورٌ أدرد بلون الطين)، يرعى التاريخ من ثقب الفجر، يقرأ صوت الواقف على جثةٍ لم تلدني، ينطح الروح ولا أستطيع التلفت، يسدُّ ثقب الباب بأنفه لأتنفس أخطائي اللغوية، يمضغ زيتون الدهشة ويتقوى بعكازيه على مضاجعةِ أسماءٍ هاربة من البلاد، ثمّةَ حنينٌ شرس يلهث أمام عيني كالكلاب، علمني كيف أعضُّ قصيدة النثر وعليها جنازتي، وكيف ألتهم كومة من الأقلامِ والأشلاء الورقية وسط هذا الحشد من القلوبِ والأعناق وأن ألتفت بحذرٍ لتفاصيلِ حزني المستمرّ بلا هدنة.

أقولُ الأمنيات وأعرف أن قافلة الكلام لا تسيرُ على خطها المستقيم، لكنني أكتب كي لا أنسلخ عن الحياة مثل طلاء الغرفة، أرسم من دمي سماء للطيور، شجراً للطريق، برتقالاً للطفولة، ضحكة على شط الحبيبة، نشيداً للصباحاتِ الندية والحقول التي نمتُ فيها، ليالي تدور في الغرف القروية سأرسم كل تفاصيلها في ترابِ وجهي، أنا الماء العتيق يخرج من بين يديّ القمح والياسمين، أنا الروح الصابرة أكتب بالحبر لكسرِ كلِّ مواقيت الحزن وأمضي نحو أول فرصة في الحياة.

أقول العمر وأعرف أني سأموت بدونكِ أو بدون كتاب، ولكن قصيدة قلبي ستبقى حية مثل المسيح!.

(سورية)
دلالات