هذا ما كان يحدث في السرد

31 ديسمبر 2015
ثمة أشياء كثيرة تأخذنا أبعدَ من كآبة الغيوم (الفيسبوك)
+ الخط -
هذا ما كان يحدث دائماَ وبطريقةٍ عشوائية، كانت الأيامُ ترتفعُ كصوتٍ لا ينقطع في مجرى الأمنيات، وتصمت أحيانا كمياهِ بحيرة، باعتبارِ أن الماء في جوفِ اليقين، لذا سأمضي إلى السرد، أحيانا كنا نعلّق قلوبنا في الصالونات كالزينة، ونعرف أن الضيوف حين يأتون إلينا يلامسونها كثيراً، يحركونها بسرعة هائلة ينفضون عنها ظلّ الهواء ونزوات الصيف، ثمة رجل - منحنياً على ينابيعه - يتحدث عن ضريبة الحنين الصباحي قبل سقوط المطر بخطوةٍ واحدة، بأصابعٍ مثلومة يدون ملاحظة صغيرة في صميم الملامح (كلُّ شخص له من اسمه نصيب)، لا أدري بعد كل هذه السنين العارية من قميص الضاد، لماذا لا يكتمل السرد أسفل الحكاية؟!


لا فائدة من الفرار أو التمويه، جلستُ مرةً على حافة المعنى وأدركت أن قلبي يشبه مذياعاً قديماً، يعرفونه من برامجه المشوشة وخطاباته المملة، كان التشويش واضحاً في بدايةِ الأمر، مثلا: أن نضحك قليلاً حتى نثير طيش الهواء المقدس في ظهيرةٍ تلمع كدمعةٍ أسفل الرخام، ننظر إلى بعضنا بسطوعِ الطفولة حتى بدا لنا الصوت وكأنه مطر كثيف، حينها عرفتكِ من دقاتِ قلبكِ، كان الصوت يمشي في سراديب رأسي وخصوصاً في الظهيرةِ المغمورةِ بدمِ الصباح، وعرفتُ أن قلبي المشوش كمذياعٍ قديم توهّم الحقيقة وبدون التفكير في هزيمة المكان الأول.

أتذكر شيئاً غامضا الآن، حين كنتُ أتسكّعُ في غابةِ عينيكِ، اغتصبت اللغة وأخرجت ما في قلبي من مطرِ الرغبة، كانت فوضاك الأنيقة تدثرني بجمرٍ يوقظ القشعريرة فيَّ ويخلعُ أضلاعي فوق العشب، كان صوتكِ المنساب على روحي كنهرٍ في الضحى، يفتح غارا في آخرِ منحدرِ الحياة وبزاويةٍ مائلة.

لنبدأ بالصراخ مرة أخرى، لنمطر مرة أخرى، قبل أن تجفّ الجُزُر العذراء بأرواحنا، لنجرب التحليق في سماءِ الحكايات السبع، ونمارس التسكع على أرصفة السرد لكتابةِ نصٍ لا يموت، أنا لا أخاف العدم، وأنتِ لا خوفَ يأكُلكِ ولا ندم، هكذا كنا نوزع المهام على بعضنا وهذا ما يحدث حين نضحك من جديد.

أنا هنا وأنتِ هناك فما الفرق؟ جميعنا مصابون بكِ.
المسافة اشتهاء، تبدأ من نبض القلب وتغامر في ثقافة التخيل: نهركِ المتحدر من أعلى جبالِ الصدر، ماؤه مسموم، أسميكِ نهراً مسموماً ويرهقني العطش، لا أعني الغريزة فقط، أعني مياهاً أشربها من أعماقِ فتنتكِ، أجوب قطعان جسدك كذئبٍ جائع، أمسدُ أطرافكِ بأسناني لأعرف كيف اعتاد على حياتي هذه وليس بيني وبينك ما يدفع أحدنا لخيانة الشتاء.

ثمة أشياء كثيرة تأخذنا أبعدَ من كآبة الغيوم وغلطة الأعمار، لأني أحبّ الطفولة كمياهٍ أولى، أتنازل لكِ عن الكلمات ودماء القصيدة ولذة النوم، أهديكِ إدارة التواريخ في نظام الدموع لأضمن عودة وضوح الصوت وأفكار الصحاري إلى الغناء، أستقبل إشارات صوتكِ المرن بقلبي المشوش كمذياعٍ قديم.

هذا ما كان يحدث دائماً، وبطريقةٍ عشوائية، نأخذ شرود النساء إلى منتصفِ الشعر، نردم أعمارنا بأفكارٍ مُقمرةٍ بالخجل والخوف، نسهر كي نجمع حزن القصيدة وما تساقط من أعمارِ العاشقين في جيوبِ الأرصفة، نكتب لاجتياز غابة في المخيلة وندخل في سرحان طويل، نذبلُ في أعماقِ النهر لندركَ أن الحياة هي درس الحنين المر.

لاحقاً وبطريقةِ الذهول بأعشابِ الحبر، يقفُ رجلٌ خارج النص، يهزّ أذنيهِ الكبيرتين، مكذباً حكاياتي السبع بين الصحراء والجنّة، مع ذلك تتدلى مسودات القصائد وأخفافُ الحنين من صهاريج الروح التي لم تنفجر بعد تحت شمسية السرد الماطرة.

(سورية)