هل تريد أن تكون شاعرا

21 يناير 2016
عليك أن تأخذ الحرب بيمينك إلى البيت (فيسبوك)
+ الخط -
هل تريدُ أن تكون شاعراً يخلعُ أثواب الغيم في المساء، ويضع حداً للهلع والنوم والحلم؟
هل تريدُ أن تمشطَ شَعر الحياة وتشعر أنّك الحائر بأوجاعِ الأرض وأمراض القصيدة؟
هل تريدُ أن تكتب عن مياه الرأس وتراب الحنين ووطأة النسيان وعناقيد اليتم؟


عليك أن تأخذ الحرب بيمينك إلى البيت، وكأنها طفلتك المدللة، حرضها على الرقصِ مع الغبارِ وإيقاع المعنى، كي لا تغادرك في ظهيرة العمر، عليك أن تطعمها جثث الحقول وأقراص الشمس ودم الشهداء اللذيذ، لتشرب قهوتها على شرفة الذكريات، خذ الغائبين إلى مائدةِ روحك وخذ الوحدة إلى مصحّ الأسئلة.

عليكَ أن تجهز حواسك لقراءةِ الوجوه العابرة فوق ظهر البحر وكتابة الأسماء المقذوفة بعيداً عن سحرِ بلادها، كثّف خطابكَ للكائناتِ حتى يصير المقدّس جرحاً عميقاً ينزف كلما ارتعش النسيم.

لا تلوث البراءة أو تدنّس الحليب، انحنِ أمام الليل كي يعبر الشهداء ويحصوا جنائزنا، افتح باباً على المدينة واسكر بخلايا روحك، حتى ينساك الصبح إذا أمسيت، وينساك المساء إذا أصبحت، إنها اللحظة الموعودة، أنت على أهبّة القلب.
لتقول لنا: إنك طائر منذ البداية وإن الهجرة ثقافة دارجة لا أكثر ولا أقل من ذلك.

عليك أن تتجاوز كلّ النظريات وطوابير المسافة والجدران المطلية بالدموع، وأن تتسكع تحت أضواء المصابيح وفي جيوبك عناوين ممزقة، تعوي آخر الليل في شوارع العالم حتى تتكسر روحك من القهرِ والحنين.

عليك أن تترك المقهى يجلس بجانبك، حدثه - بالكثير من الخشوع - عن الغرباء وفتاةٍ تتذكّر ضحكتها ونهدها الطازج، حدثه عن نبعِ البكاء ومصب الضحك وحكمة التكرار بحذافيرها، التكرار ثعلب يمارس وظيفته في المناسبات، ربما ليفرحَ بالكلماتِ وأكداس الحروف ويعلم أنهُ الملل.
لتقول لنا: إن حياتك جاهزة ولكنها بعيدة عن عدسةِ الكاميرا.

عليك أن تمارس بداوة مهجورة في صحراء الورقة، وتكتب بعدة لغات، أيها الذاهبون إلى تسلّقِ نافذةِ الحلم، أيها الشجر والنساء والشعراء والشوارع، يا ذاك الفجر العابر إلى أرواحٍ يسكن فيها الحزن والحنين، يا هذا الوهم الطويل، أريدُ أن أتحّرر من الزمن الشخصي، أيها البحر لم يأتِ الشتاء بعد، خذني معك.

عليك أن تزحف بأسنانك إلى حرب الأصوات وجثث الحكايات، أبحث عن طريقٍ لا يرتدي شال القنابل ومجاري الدم والنفط، كحل عيونكَ من تراب الذاكرة، انثر غيوم الصحو في خريف الكلمات، اكتب أناشيد ذابلة وأسراباً من الأمنيات تستطلع نبوءة النازحين، ابنِ أعشاشاً بين السطور تأوي إليها الطيور الضائعة، اترك بنت الجيران تعشقك، ترقص فوق براكين دمك، تلملم شفتيكَ من كأسِ الشاي، انتصر، انكسر، اقطع الحدود وسنابل القلب بالبكاء، اندفع بكلِّ أصابعك كي لا ترتبك حبيبتك الحلوة من ظمأ الحبّ، لتكتشف أن السماء لعبة كبيرة في النص اختر هذا الطريق، ليس لشيء، ولكن لدفعِ التعب عن الناس.
لتقول لنا: إنك قادر على جسارة الموهبة وإن الحكمة يقتلها السرد.

ابرد أظافرك واجعلها قاطعة، اخمش كلّ أغنية تعبر جسد المدينة إلى مزرعة الفجر، مزقها لتضمن البقاء قرب نهر الياسمين، اخلع اسمك تحت جليد الوقت واركض عكس الملح المتغلغل في رحمِ المرأة، أيقظ ذئاب الحنين في جبال الروح والتهم أغنام الصدفة حتى تمتلئ بحبرِ المزاج.

كن امرأة، تكافئ العصافير والسناجب بفاكهةِ نهديها، تحبُّ مضاجعة الشوارع والحقول والعاصفة، تحملُ في رحمها الذكريات وملامح الحرب وجمر السرير، تتألم بصمتِ الفرسان وتنجب القصيدة.

(سورية)