5 أفكار طائفية.. تشعل الحروب الأهلية

10 نوفمبر 2015
+ الخط -

يحتاج علاج المشاكل الطائفية والمذهبية والعرقية في المنطقة العربية، إلى تغيير عالم الأفكار في عقول النخب العربية الفاعلة لتعتبر التنوع العرقي والمذهبي والديني في المنطقة العربية نقطة قوة وليست نقطة ضعف؛ ويشتبك هذا المقال مع خمسة أفكار سياسية متعلقة بالتحدي الطائفي والعرقي والقومي بهدف تفكيكها؛ إذ تؤجج تلك الأفكار النزاعات الطائفية.

خمسة أفكار قاتلة

أولا:
هناك تنافس بين هويات الشعوب العرقية وولائهم للدولة، أي أن هناك صفقة مقايضة لا بد أن تتم بين الاعتراف بالتنوع وتوحيد الدولة، وهذه خرافة قاتلة لأنها تعتبر التنوع العرقي والقومي والثقافي في داخل الدولة مضادا لوحدة وتماسك الدولة، وهي فكرة ضارة بالسلم الأهلي، خاصة إذا تم اعتمادها من قبل الساسة، وصناع القرار، وأجهزة السلطة، فالتجربة الإنسانية العالمية تخبرنا بأن الهويات متعددة وتكاملية وليست متناقضة، ومن المهم بالنسبة للأفراد أن يكون لديهم شعور بالهوية والانتماء لمجموعة ذات قيم مشتركة وروابط ثقافية أخرى، لكن كل فرد يستطيع أن يتماهى مع مجموعات كثيرة مختلفة، فللأفراد هوية جنسية سياسية مثل كون الإنسان لبنانيًا، وهوية من حيث النوع مثل كون الإنسان امرأة، وهوية من حيث العنصر مثل كون الإنسان متحدرًا من أصل تركماني، وهوية لغوية مثل طلاقة اللسان بالتحدث بالعربية أو الفرنسية، وهوية سياسية مثل كون الإنسان ذا آراء يسارية، وهوية الدين، مثل كون الإنسان مسيحيًا أو مسلما فكل ما تقدم من الممكن جمعه في شخص لبناني يتمتع بالجنسية السياسية اللبنانية وهو ليس بحاجة للتنازل عن أي من الهويات والانحيازات السابقة.

اقرأ أيضا: إعادة تموضع الإخوان (5-5).. تحديات وسيناريوهات المستقبل

ثانيًا:
فكرة أن المجموعات العرقية تجنح إلى خوض نزاعات عنيفة فيما بينها؛ نتيجة تضارب القيم، إذ إن هناك صفقة مقايضة بين احترام التنوع والمحافظة على السلام، بمعنى آخر أن المجتمعات المتنوعة هي مشاريع حروب أهلية مؤقتة وقابلة للاشتعال في أي لحظة، وهذه فرضية خطيرة وقاتلة لجهود الاستقرار والتنمية والسلم الأهلي؛ فالواقع المُعاش يؤكد لنا أن الاختلافات والتصادمات الثقافية حول القيم لا تشكل بحدِّ ذاتها سببًا لنزاعات عنيفة وحروب أهلية دامية؛ إذ نجد مثلا في "جزر فيجي" حيث قام الفيجيون الأصليون بانقلاب ضد الحكومة التي يهيمن عليها ذوو الأصل الهندي؛ لم يكن دافعهم هو الانتقام من السكان ذوي الأصول الهندية؛ وإنما تحركوا لخوفهم من إمكانية مصادرة أراضيهم من قبل الهنود المسيطرين على القرار السياسي.

وفي سيريلانكا استحوذت الأغلبية السنهالية على السلطة السياسية بعد الاستقلال ومنعت التاميل من التمثيل السياسي اللائق بهم، فوضعت قيودا صارمة على استخدام لغة التاميل في المؤسسات الرسمية فأشعل ذلك شرارة نزاع أهلي استمر قرابة ثلاثة عقود ونصف.

وفي بوروندي ورواندا، وخلال فترات زمنية مختلفة، حرم كل من الهوتيين والتوتسيين من الفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية، وهذا هو السبب الرئيس في الحرب الأهلية التي وقعت هناك.

ثالثا: فكرة أن البلدان المتنوعة عرقيًّا أقل قدرة على النمو، ولذا فهناك صفقة مقايضة بين احترام التنوع وتشجيع التنمية وتحقيق معدلات نمو اقتصادية متقدمة، ولكن مع البحث والتدقيق واستعراض الخبرة الإنسانية والتجارب الدولية يتضح لنا أنه لا يوجد دليل على وجود علاقة واضحة، حسنة أو سيئة، بين التنوع الثقافي والتنمية وتحقيق النجاح الاقتصادي ومع ذلك يحاول البعض بأن يقرر أن التعددية كانت عائقًا أمام التنمية، لكن الصحيح، بما لا يمكن إنكاره، أن هناك مجتمعات متنوعة كثيرة تعاني من مستويات منخفضة في الدخل والتنمية البشرية، فليس هناك إثبات على أن ذلك مرتبط بالتنوع الثقافي؛ فماليزيا التي يتكون شعبها من الملاوي ومجموعات أصلية أخرى بنسبة 62%، وذوي الأصل الصيني بنسبة 30%، والمنحدرين من أصل هندي بنسبة 8%، أصبحت عاشر دولة في العالم من حيث النمو الاقتصادي بين عامي (1970 و1990م)، وتحتل موريشيوس المرتبة 64 على دليل التنمية البشرية، وهي الأعلى بين دول أفريقيا جنوب الصحراء علمًا بأن شعبها متنوع ومن أصول أفريقية وهندية وصينية وأوروبية، منهم 50% يعتنقون الهندوسية، و 30% المسيحية، و17% الإسلام.

رابعًا: فكرة حتمية عدم التواصل والانفتاح على الهويات المُغايرة حتى لا تذوب هويتنا الأصلية، هذه الخرافة القائلة بضرورة الحفاظ على نقاء الهوية الخاصة بالمجتمع أو الدولة أو الأمة وعدم التواصل مع هويات المجتمعات والأمم الأخرى تقودنا إلى فلسفة بناء القلاع بين الهويات لا إنشاء الجسور، وتؤصل للاستعلاء والعداء بين الشعوب والهويات والقوميات، وهذا عكس حركة وحقائق التاريخ وحركة الجغرافيا؛ فالتمايز بين هويات الأمم والشعوب من حيث النشأة وأنماط السلوك واللغات والتقاليد والقيم الحاكمة والمنجزات الحضارية لا يعنى بحال من الأحوال أن هويات الحضارات تشكلت في معامل معقمة، وجزر فضائية بعيدا عن التواصل والتأثر بهويات وقيم الحضارات الأخرى، فالتواصل بين الحضارات والهويات تؤكده وثائق التاريخ وحقائق الجغرافيا، سواء كان هذا التواصل حادًا متمثلًا في خوض معارك حربية مثل حروب الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، أو كان هذا التواصل ناعمًا على شكل طرق التجارة والمصالح الاقتصادية، مثل طريق الحرير، الذي ربط بين قارات العالم القديم.

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟

خامسًا: الفكرة القائلة بإمكانية وقدرة فصيل واحد أو مؤسسة سيادية مهيمنة أو تنظيم ديني أو عسكري قوي قيادة البلد والنهوض بها دون مشاركة باقي مكونات الجماعة الوطنية.

هذه الخرافة سببت العديد من الأزمات خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي فجرها الشباب غير المؤدلج وغير المُثقل بذاكرة ذهنية موتورة عن الآخر المخالف، والمُنفتح على كل مكونات المجتمع المتعددة؛ فبعد نجاح الثورات في الإطاحة برؤوس الأنظمة العربية المستبدة مثل مبارك وزين العابدين وعلى عبد الله صالح والقذافي ظهرت على ساحة الفعل السياسي التنظيمات الإسلامية الأيديولوجية التي تسعى إلى فرض رؤيتها على المجتمع، وهذا بطبيعة الحال قاد العديد من بلدان الربيع العربي نحو التوتر والاحتقان الداخلي ومكن قوى الثورة المضادة من العودة والتدخل في المشهد الاجتماعي والسياسي كما حدث في مصر واليمن وليبيا إلا أن حركة النهضة في تونس قدمت نموذجا جديدا في الفعل السياسي القائم على الشراكة الحقيقية مع باقي المكونات الوطنية وهو ما أنقذ الثورة التونسية بشكل كبير من أزمات كانت مُتوقعة لو اختارت حركة النهضة قيادة المشهد السياسي والثوري التونسي وحدها دون التوافق والتعاون مع القوى الأخرى.