آلاف الغارات الجوية، حصار بحري وجوي، ومنافذ برية حدودية مغلقة مستمرة إلى اليوم، فضلاً عن معارك ميدانية يومية على الأرض بين مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة، و"المقاومة الشعبية" التي تشكّلت في عدد من المحافظات من جهة ثانية، لكنها لم تستطع جميعها أن تنتج حسماً عسكرياً أو حلولاً سياسية.
وحدها الفاتورة الإنسانية تبدو الأكثر ارتفاعاً والأكثر وضوحاً، يدفع ثمنها المدنيون من أرواحهم ومعاناتهم اليومية. حجم الدمار الذي لحق باليمن جراء الغارات العسكرية من جهة والمعارك الميدانية من جهة ثانية لن يُحسم بشكل نهائي قبل توقف الحرب. لكن المشاهد اليومية تُظهر كيف حوّلت الحرب ومآسيها اليمنيين إلى متسولين لأبسط مقومات الحياة. طوابير على محطات الوقود إنْ توفر، طمعاً في غاز يُعتمد عليه للإنارة والطهو والتنقل. طوابير أخرى بحثاً عن قطرات قليلة من الماء وسط درجات حرارة مرتفعة في محافظات تحوّلت إلى مسرح يومي للموت، رحلات لا تنتهي بحثاً عن أدوية باتت غير متوفرة لمرضى ومصابين، وانتشار للأمراض أحدثها حمّى الضنك التي تفتك بالناس.
أهداف لا تتحقق
أما عسكرياً فلم تكن العمليات طوال الأشهر الثلاثة الماضية كافية لحسم ميداني، أو حتى تحقيق أي من الأهداف التي تحدثت عنها قوات التحالف العشري. أطلقت "عاصفة الحزم" بهدف واضح، كان السفير السعودي في واشنطن في ذلك الحين، عادل الجبير، والذي اختير لاحقاً ليشغل منصب وزير الخارجية السعودية، أول من تحدث عنه. أعلن الجبير يومها أن العمليات "تهدف إلى الدفاع عن الحكومة الشرعية" للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، بعدما كان هادي قد تمكّن من الخروج من عدن إلى الرياض.
انطلقت العمليات بمشاركة عشر دول من بينها 5 دول خليجية، في ما عدا سلطنة عمان التي سيتضح لاحقاً أن امتناعها سيؤهلها لأداء دور سياسي تزداد أهميته مع تراجع خيارات الحلول العسكرية.
محاولة تحقيق هدف الدفاع عن الشرعية وإعادة الرئيس اليمني وحكومته إلى اليمن، وتحديداً عدن، تُرجِمتا بغارات يومية على معاقل الحوثيين في المناطق الحدودية مع السعودية وتحديداً في صعدة، فضلاً عن مواقع عسكرية خاضعة لنفوذ الحوثيين والرئيس المخلوع في صنعاء وعدد آخر من المحافظات وخصوصاً الجنوبية. ولم تستثنِ كذلك مواقع مدنية عديدة من الغارات سقط بسببها مدنيون.
لكن هذا الهدف لم يتحقق على الرغم من كل التحشيد العسكري في الأسابيع الأولى، والذي شمل أيضاً التلويح بخيار التدخل البري، عززت احتمالاته المناورات العسكرية التي أجرتها القوات السعودية مع القوات المصرية والباكستانية، فضلاً عن مفاوضات أجراها المسؤولون السعوديون للاستعانة بقوات عسكرية من دول إضافية بينها باكستان التي حسم برلمانها خيار عدم المشاركة في أي توغل بري داخل اليمن مقابل الالتزام بحماية الأراضي السعودية.
في موازاة استمرار الغارات، كانت المؤتمرات الصحافية اليومية للمتحدث العسكري باسم "عاصفة الحزم"، أحمد عسيري، لا تتحدث سوى عن "انتصارات"، أهّلت دول التحالف للإعلان في 21 أبريل/نيسان، أي بعد 27 يوماً من بدء العمليات العسكرية، عن انتهاء "عاصفة الحزم" وبدء "إعادة الأمل".
مرة جديدة تم تبرير هذا التحوّل بأنه بناء على طلب من هادي، الذي كان قبلها بأيام قد عيّن رئيس الحكومة خالد بحاح نائباً له تمهيداً لأداء الأخير دوراً سياسياً أكبر على حساب هادي. ووفقاً لبيان قيادة التحالف، قيل يومها إن هادي، الذي يذهب البعض إلى تشبيهه بالرئيس الشبح لكثرة امتناعه عن مخاطبة اليمنيين، "وجّه رسالة إلى العاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، بأن العملية حققت أهدافها، وأبرزها الاستجابة لطلب الرئيس بحماية "الشرعية" أواخر الشهر الماضي، وكذلك ردع الهجوم على بعض المناطق اليمنية، وتدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية، التي تهدد أمن السعودية ودول الجوار".
أما الأهداف الجديدة لـ"إعادة الأمل" فحُدّدت بستة، تقدّمها "سرعة استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل"، فضلاً عن "استمرار حماية المدنيين، واستمرار مكافحة الإرهاب، والاستمرار في تيسير إجلاء الرعايا الأجانب وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني في المناطق المتضررة، وإفساح المجال للجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية". وأضيف إليها هدف "التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للمليشيات الحوثية ومن تحالف معها، وعدم تمكينها من استخدام الأسلحة المنهوبة من المعسكرات أو المهربة من الخارج، وأخيراً إيجاد تعاون دولي، من خلال البناء على الجهود المستمرة للحلفاء، لمنع وصول الأسلحة جواً وبحراً إلى المليشيات الحوثية وحليفهم علي عبدالله صالح من خلال المراقبة والتفتيش الدقيقين".
اقرأ أيضاً: الحسم اليمني... عودة إلى الأهداف الأولى
استبشار اليمنيين باحتمال توقف الحرب وبدء تطبيق القرار 2216، الذي كان قد صدر في 14 أبريل/نيسان، ونصّ على مطالبة المليشيات بالانسحاب من المدن التي اجتاحتها ودعم شرعية الرئيس اليمني، سرعان ما تلاشى. فلا الغارات الجوية توقفت، ولا المعارك الميدانية انتهت، بل ازدادت شراسة ليستمر الحصار المفروض على اليمنيين من جميع الجهات وكذلك آلة الموت التي تحصد الأرواح.
وبعدما تحوّلت الغارات والمعارك إلى خبر اعتيادي، لم يدم الوقت طويلاً قبل أن يحدث تطور آخر وتحديداً على الحدود السعودية اليمنية الممتدة على قرابة 1400 كيلومتر، شكّل محور أحداث شهر مايو/أيار بالتزامن مع انطلاق المشاورات للإعداد لمؤتمر الرياض.
في البدء، توّلت جماعة الحوثيين، عبر قناتها "المسيرة"، نشر أخبار عن مهاجمة "أبناء المناطق الحدودية" لمواقع حدودية سعودية، رابطة إياها بين غارات خاطئة ورغبة هؤلاء في الثأر، في محاولة من الحوثيين لتفادي تبنّي المسؤولية عن تلك الهجمات، على الرغم من أن الجماعة نفسها كانت قد عمدت قبل أيام معدودة من انطلاق "عاصفة الحزم" إلى إجراء مناورات غير مسبوقة في منطقة وادي آل جبارة في محافظة صعدة الحدودية.
تركزت الأنباء، على مدى أيام، على إطلاق قذائف باتجاه منطقتي جيزان ونجران. وهو ما استتبع إعلان التحالف العشري عن مرحلة جديدة عنوانها "ثأر نجران"، لم يعد فيها لتبريرات هادي وجود، وأعلنت خلالها محافظة صعدة معقل الحوثيين هدفاً عسكرياً شمل تدمير جميع مقرات ومنازل قيادات الجماعة وصولاً حتى إلى قصف قبر مؤسس الجماعة، حسين بدر الدين الحوثي، في مران. كما لم يُستثنَ منزل الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، الذي تعرّض للمرة الأولى لغارات في العاشر من مايو/أيار قبل أن يطال القصف لاحقاً منازل جميع أقاربه وأبنائه، ما دفع الأخير إلى الإعلان جهاراً عن تحالفه مع الحوثيين، فيما أُعلنت في اليوم نفسه موافقة الحوثيين على الهدنة المقترحة من التحالف، بضغط أميركي، والتي دخلت حيز التنفيذ مساء 11 مايو/أيار واستمرت لـ5 أيام، وُصفت بأنها هدنة من طرف واحد، إذ التزم فيها التحالف وعُلّقت الغارات الجوية بشكل كامل، بينما لم تتوقف المعارك الميدانية التي تحوّلت فيها "المقاومة الشعبية" إلى رقم صعب تتصدى للحوثيين وإن لم تنجح في دحرهم من المناطق التي اجتاحوها بشكل كامل.
أما جماعة الحوثيين فلم يطل الأمر قبل أن تتخلى عن لازمة هجمات أبناء المناطق الحدودية، وتعلن صراحة عن خوض مقاتليها لمواجهات حدودية مباشرة، كان أخطرها في 6 يونيو/حزيران عبر إطلاق صاروخ "سكود" باتجاه القاعدة الجوية في خميس مشيط جنوب السعودية، قالت المملكة إنه تم اعتراضه بواسطة صاروخ "باتريوت"، ولتصبح المواجهات الحدودية والغارات والمواجهات الميدانية خبراً اعتاده اليمنيون يومياً، في ظل غياب قدرة أي طرف على الحسم بشكل نهائي، على الرغم من تلقي الحوثيين وقوات صالح لخسائر عديدة في جنوب اليمن، كانت مدينة الضالع أبرزها بعدما تم القضاء على معظم جيوبهم فيها، بينما لا تزال مدينة عدن مقسمة السيطرة فيها على غرار محافظات أخرى مثل تعز، بانتظار التوصل إلى تفاهم حول تسوية سياسية.
اقرأ أيضاً: مناورة جديدة للحوثيين: التفاوض مع "أطراف في الحراك الجنوبي"
حوارات في الوقت الضائع
في موازاة الحرب، لم تتوقف المشاورات السياسية في محاولة لإيجاد حل للأزمة، شملت إضافة إلى ممثلين عن الشرعية والانقلابيين، الدول المعنية بالملف اليمني، بدءاً من السعودية التي تقود التحالف العشري أو حتى إيران التي لم تتوقف عن إطلاق تصريحات داعمة للحوثيين، مروراً بالولايات المتحدة الأميركية، فيما لم تتخلَ الأمم المتحدة عن دورها في تسيير الحوار السياسي الذي انتقلت رايته من مبعوثها السابق إلى اليمن، جمال بنعمر، إلى ممثلها الجديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
فبعد قرابة ثلاثة أسابيع على بدء غارات التحالف الدولي، أعلن بنعمر، الذي تولى مهمته اليمنية في أغسطس/آب 2012، وشارك في الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني، عن استقالته من منصبه بعدما واجه جملة انتقادات من قِبل فريق الشرعية خصوصاً، تركزت حول أدائه وخصوصاً بعد انقلاب المليشيات ومحاصرة الرئيس اليمني في صنعاء قبل تمكنه من الفرار باتجاه عدن في 21 فبراير/شباط ومن ثم انتقاله إلى الرياض في 26 مارس/آذار.
لم يرق لكثيرين إصرار المبعوث الأممي على الاستمرار في الحوار في ترجمة لقناعة الأمم المتحدة بأن لا أفق للخيار العسكري في بلد معقد مثل اليمن في حين أن استمرار الحوار حتمي لإيجاد حل سياسي. وهي القناعة التي ترجم التمسك بها المبعوث الجديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي استغل هدنة الأيام الخمسة التي بدأت مساء 11 مايو/أيار، لزيارة صنعاء وإجراء مشاورات مع الحوثيين تمهيداً لمشاورات جنيف، قبل أن ينتقل إلى السعودية للمشاركة في مؤتمر الرياض، الذي عُقد بين 17 و19 من الشهر نفسه.
المؤتمر الذي اقتصر الحضور فيه على مؤيدي الشرعية، حدد عبر وثيقته "إعلان الرياض" الخطوط العريضة للتفاوض مع الحوثيين عبر الأمم المتحدة، بعدما خلص إلى التأكيد على "ضرورة إنهاء عدوان قوى التمرد وإسقاط الانقلاب وإنقاذ الدولة واستعادة الشرعية". كما قرر "دعم وتنظيم المقاومة الشعبية تحت القيادة الشرعية في مناطق التمرد". أما التوصيات غير الملزمة التي تضمنها "بيان الرياض" الذي دعا "الأمم المتحدة ومجلس الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لتأمين المدن اليمنية الرئيسية والإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن وضمان الانسحاب الكامل لقوى التمرد من كافة المدن وتسليم الأسلحة والمؤسسات" فذهب أدراج الرياح.
وبينما كانت الأمم المتحدة تُعد لمؤتمر جنيف، كانت سلطنة عمان قد بدأت تكشف عن دورها في استضافة محادثات بين الحوثيين والولايات المتحدة، عدّت بمثابة تمهيد لمؤتمر جنيف اليمني، بعدما كان قد تردد مراراً الحديث عن دور للسلطنة في الوساطة لدى الحوثيين.
المحادثات التي استمرت على مدى أيام مع الأميركيين في مسقط، بات واضحاً أنها انتقلت في الأيام الماضية إلى مشاورات بين اليمنيين أنفسهم بعد فشل مؤتمر جنيف الذي لم يحقق أي نتائج بعد تعنّت وفد صنعاء الذي يضم الحوثيين وممثلين عن الرئيس المخلوع وباقي القوى المؤدية للانقلاب، على إثر رفضهم خوض أي مفاوضات مباشرة مع وفد الشرعية، على الرغم من تنازل الأخير عن العديد من الشروط التي كانت قد وُضعت للتفاوض، وبينها ضرورة انسحاب الحوثيين من المناطق التي احتلوها، وخصوصاً عدن.
أحدث المعلومات المتوفرة تشير إلى وجود مفاوضات بين الحوثيين وشخصيات جنوبية تتركز حول احتمال الانسحاب من عدن، فيما تتواصل المشاورات من أجل الإعلان عن هدنة إنسانية جديدة تمهد لوقف إطلاق النار، الذي يبدو أن ظروفه لم تنضج بعد، وخصوصاً بعد عودة التسريبات عن مساعٍ للتحالف، بالتعاون مع "المقاومة الشعبية"، لتحويل عدن إلى منطقة آمنة لعودة ممثلي الشرعية إليها. تَجدُّد هدف إعادة الشرعية إلى اليمن يُخشى أن يكون مقدمة لتصعيد عسكري جديد بانتظار موافقة جميع الأطراف على بدء تقديم التنازلات والعودة إلى المسار السياسي حصراً بعدما أثبت المسار العسكري عدم جدواه.
اقرأ أيضاً: التحالف يكثف غاراته على جبهات المواجهة جنوبي اليمن