04 ابريل 2016
يحدث في السينما المغربية
فجأة، تحول النقاش حول فيلم المخرج المغربي، نبيل عيوش، "الزين اللي فيك"، والذي عرض، الأسبوع الماضي، في مهرجان كان، من السينما إلى الأخلاق، ومن الفن إلى سياسة الفن، وهرب المغاربة إلى محافظتهم، وحتى أعتى الحداثيين لزموا الصمت.
وهذه ليست المرة الأولى التي يفتح فيها قوس النقاش حول أفلام يصنعها المغاربة، يكون من موضوعاتها هوامش الليل وطبقاته والعالم السفلي وغموضه وتشابكاته، وحيث تنفضح حقيقة مجتمع النهار، وتبدو العورات والعيوب منكشفة، فالنهار الصالح يخفي وجوهاً أخرى من الليل الفاسد، تتقاطع فيه مصالح وشبكات وفئات اجتماعية وسلطات، وكلما أمعن أحد من أهل الفن، رواية أو سينما، في الكشف عن تناقضات المجتمع، تصدت له الأصوات العالية، لإسكاته عن كشف عورات المجتمع، وأكثر هذه الأصوات تطرفاً ليست قوى المحافظة الدينية، لكنها تلك المتلفعة بالدين، والتي ترى في الاقتراب من هذا الموضوع، والنبش فيه، ضرباً لشبكة مصالحها.
ظلت رواية محمد شكري (الخبز الحافي) ممنوعة من التداول عقوداً بقرار إداري، وكانت سلطة تلك المرحلة ترى فيها تهديدا لمصالحها، في حين كانت الرواية تقدم مادة سوسيولوجية مهمة عن المجتمع المغربي الخارج من زمن إلى زمن آخر. وتوبع الروائي والقاص المغربي، محمد زفزاف، قضائيا بسبب جملة في روايته "الثعلب الذي يظهر ويختفي"، كما حصل الأمر نفسه مع الروائي محمد عز الدين التازي، أو مع شاعر جماعة العدل والإحسان.
فالأمر يتعلق، في العمق، بقوى وسلطات من مصلحتها التعمية والتغطية على واقع موبوء، ينخر المجتمع، مثل ظاهرة البغاء أو تجارة الجنس. وهذه بالمناسبة، لا تعود إلى تدني الوازع الأخلاقي، بل هي ظاهرة اقتصادية، صنفتها الأمم المتحدة ضمن ظواهر الاتجار في البشر العابر للقارات، وتقوده قوى نافذة، وتتمتع بسلطات كبيرة، وقادرة على شراء النفوذ لتوسيع تجارتها.
في المقطع المسرب من فيلم نبيل عيوش "الزين اللي فيك"، تسأل الفتاة اللعوب التي تشرف على فريق فتيات الليل في الملهى في مراكش، عن "الحنشة"، أو رجل الأمن بلباس مدني الذي يبدو في خلفية المشهد، في طاولته يدخن ويشرب. هذا السؤال المحوري والخطير، يجيب عنه الممثل عبد الله ديدان، في دور القائم على شؤون البنات: من الأسلم لك أن تهتمي بأمورك.
وسواء أمعن عيوش في تقديم مشاهد من عالم الملاهي والمراقص، أو جعل من حوارات فيلمه أقل تهذيبا، أو لم يهتم بالمشاعر المفترضة للمغاربة، عندما يطرح الفيلم للجمهور الواسع، فإن هذا كله نقاش شكلي، لأن الجوهر اليوم هو تحول المغرب إلى بؤرة لتجارة الجنس، وهذه التجارة التي تزدهر في المدن السياحية وفي غيرها، لا تنفك عن التوسع، فالأزمة الاقتصادية ومحدودية معالجة مظاهر البطالة أمام الفئات العريضة تجعل من بعضها صيداً سهل الوقوع في شباك مافيات الدعارة والبيدوفيليا، وهي مافيات لها أكثر من يد في أكثر من مكان، وتتشابك مع الاقتصاد الممنوع وحُماته.
وقد بينت الوقائع كيف أن هذا الاقتصاد الممنوع لم يعد يكتفي بالمساحات الاجتماعية التي ينتعش فيها، بل تطورت تطلعاته، وامتدت بمحاولة استعماله "المال الحرام" في المحطات الانتخابية، وكاد أن يتحول إلى صوت سياسي في أكثر من مناسبة.
لذلك، يجب أن ينطلق النقاش الحقيقي والهادئ بشأن الظواهر السوداء في المجتمع: دعارة، مخدرات، جريمة، تهريب، فساد، من مقاربة شمولية، أما العمل الفني أو السينمائي، فهو وجهة نظر "تخييلية" عن واقع، هو أغرب من كل خيال.