لا تكتب الحشود يومياتها، ولا تتقصّد أن تتشكّل حولها صورة جمعية، فمن هي الحشود الثائرة وكيف يجتمع أفرادها؟ هؤلاء الذين تمثلهم هذه الكلمة وتخفيهم خلفها، وبعد أن ينفضّوا يحاول المؤرخون والباحثون بناء صورة لهم في أرشيف صورهم والفن الذي تركوه على الجدران في ملفات الصحافيين ورجال القانون، يحاولون إيجاد صورة طبق الأصل عن العقلية التي تجمعهم وتوحّد طريقتهم في التصرّف في لحظة الحشد.
في لوحة لجاك لويس دافيد تظهر صورة الثورة عبارة عن حشد أفقي من البشر، الأفقية هنا هي المساواة وربما تكون هذه أول صورة قيَمية نحملها عن الحشد الثائر حيث إن الفكرة البسيطة للمساواة تسبغ على الحشد تصوّراً أخلاقياً وأملاً مفاجئاً بأنها حشود ليست سلبية بل قادرة على التفكير والتخطيط المرتجل والفعل والتغيير.
خلال السنوات العشر الأخيرة حدثت متغيّرات كثيرة في البلدان العربية، وتكوّنت حشود لا يمكن القول إنها متماثلة، وقام باحثون من شتى الحقول بدراسة هوية هذه التجمعات الثائرة، ومن هؤلاء الأكاديمية ياسمين ضاهر، الباحثة في جامعة مونتريال، والتي تلقي محاضرة بعنوان "الشخصية الأخلاقية للحشود الثائرة" في "بارد كوليج" في برلين عند الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر الخميس، الخامس من الشهر الجاري.
تتأمل الباحثة الفلسطينية في الدروس التي يمكن استخلاصها واستنباطها من "الربيع العربي"، متناولة موجات الثورات التي وقعت بين عامي 2010 و2012 في البلدان العربية من تونس إلى العراق، مروراً بالجزائر ومصر ولبنان وغيرها.
تذهب ضاهر إلى عدة استنتاجات، أولها أن الطابع "المفاجئ" لهذه الثورات عكَس تجاهلاً واسع النطاق للقدرة الشعبية على التفكير والفعل. والثاني أن هذا التجاهل واضح في دراسات الديمقراطية التي تحلل وتتوقع إمكانيات تغيير النظام في المنطقة العربية. ومع ذلك، فهذا التجاهل ليس خاصاً بالمنطقة حيث إن فضاءات جغرافية أخرى من العالم تعيش نفس الظواهر الجماهيرية.
من المواضيع التي تتناولها المحاضرة تحليل الأحداث في "ميدان التحرير" في القاهرة باعتبرها نموذجاً لحالة من تجاهل الإمكانات الثورية للشعب. سبق لضاهر أن أشارت إلى أن الصور النمطية الثقافية والتحيزات ضد الإسلام والإفراط في تقدير سلطة الدولة تتواطأ عند محاولة تمثيل الشعوب العربية باعتبارها سلبية بشكل استثنائي، أسيرة للتقاليد، وعاجزة عن التصرف تلقائيا، والنتيجة هي سياسة "بلا روح" ، تمنع الاعتبارات الأخلاقية مقدماً.
تدرّس ضاهر الفلسفة في جامعة مونتريال في كندا، كما سبق لها أن اشتغلت في جامعة بيرزيت في فلسطين وفي جامعة كونكورديا في كندا. تتناول في أبحاثها عموماً العلاقة بين الأخلاق والممارسات السياسية التحررية ومجالات اهتمامها تشمل الفلسفة السياسية والاجتماعية والفلسفة الأخلاقية.