21 فبراير 2018
واقع منطقتنا بين عوامل الانكسار وفرص النهوض
المراقب للأوضاع في المنطقة العربية، وخصوصا منطقة الخليج العربي وما حولها، يُلاحظ تسارعاً غير مسبوق في أحداثها الخطيرة، وحتما سيؤثر ذلك على مستقبلها وسيُقرّبها أكثر إلى دوامة عنفٍ تساق إليه دفعاً، على الرغم من قدرتها على تفادي ويلاتها، لو أذعنت قياداتها فغلّبت العقل على منطق الخيالات والأوهام التي تعيشها. فمنطقتنا لم تعد تحتمل مزيدا من العنف، فما مرّت به من أحداث، نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن، يكفي، وعامل لتفادي ما هو أسوأ إذا دُرست بحق تلك الأحداث، وما آلت إليه من مآسٍ، سواء على مستوى الدول التي كانت مسرحا لها، أو على مواطنيها الذين تشتتوا في بقاع العالم.
وإذا كانت السياسة كما يقال فن الممكن وتدوير الزوايا، فإن مصطلح كسب الخصم واستمالته، أو احتوائه، من المفاهيم التي يجب أن تسود في سياسات دول المنطقة ويُسعى إليها بقوة، وهو مصطلح رباني ومنهج إسلامي لحل النزاعات، حث عليه المولى عز وجل في محكم تنزيله، حيث يقول عز وجل في كتابه الكريم "ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". وذلك لا يتأتى إلا إذا خلُصت الإرادات وصدقت النيات، وتم التركيز على ما يجمع دول المنطقة والاتفاق حوله والابتعاد عمّا يفرقها ولو مؤقتا. لكن للأسف، لا يدفع
الأسلوب القائم بين دول المنطقة في إدارة علاقاتها البينية أو الإقليمية في ذاك الاتجاه، كون كل منها متمترسا خلف قوى دولية وإقليمية، تدفع إلى المواجهة وتؤجج عناصر الخلاف، وتساعد على تكريسها خدمة لمصالحها الذاتية. ومما يفاقم الوضع سوءًا عدم وجود تمثيل شعبي حقيقي في مجمل عالمنا العربي يكبح جموح بعض قادته ونزواتهم عن الخوض في مغامراتٍ غير محسوبة العواقب، ولا معروفة النتائج، كون تلك القيادات لا تترك مجالا للاختلاف أو النقاش البناء، بل تنتهج نهجا فرعونيا، انطلاقا من مفهوم "لا أُريكُم إلا ما أرى، ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد" (الآية الكريمة). فأغلب دول المنطقة لا تتوفر على تمثيل شعبي، أو مؤسسات شعبية حقيقية، يمكن لها أن تعترض على النزوات المتهورة لبعض القادة أو كبح جماحهم. وإذا كان هناك مجالس تمثيلية فهي، في غالبيتها المطلقة، مؤسسات صورية مفروضة على الشعوب، لا يتعدّى دورها التصديق على سياسات القادة، وإضفاء شرعية على قراراتهم المصيرية التي تهم مستقبل البلاد والعباد. وهي بهذا أقرب في عملها إلى كلمة (sure) من خلال تأكيد ما يُطلب منها، فلا إجماع لأمةٍ، ولا معنى للشورى التي تتبناه جُلّها، وعلينا أن نعترف بأننا جميعا تنقصنا برلمانات حقيقية. ولم يعد هذا الأسلوب في إدارة الدول يصلح لدول المنطقة، ولا يناسبها في ظل ما يشهده العالم من ثوراتٍ متسارعة في عالم المعلومات وتقنيات التواصل الاجتماعي التي دخلت في كل مناحي حياتنا، حتى بات صعبا ضبط الحكومات تدفق المعلومات والأخبار. ولنا فيما أصبحت تعرف "الأخبار الكاذبة" أوضح مثال على مدى عجز الحكومات ومؤسسات الحكم التقليدية في مواجهة هذا النمط من التواصل والتعبئة، والمستقبل واعد بتحولات جديدة نحو مجالات أخرى. وإذا كانت دول المنطقة تسعى جاهدة لمواكبة التطورات في المجال التكنولوجي في كل صغيرة وكبيرة، فإنها تستثني مواكبة هذا التطور في المجال السياسي من إشراك المواطن في صناعة القرار وإدارة الدولة بالقول والعمل، بدلا من موظفين لا يستطيعون قولا وفعلا إلا ما يُوعَز إليهم. ولو أخذَت الحكومات بمبدأ الشراكة والمشاركة في إدارة دولها، لتجنبنا حتما الكوارث والمآسي التي آلت إليها أوضاع بلداننا، بسبب نزوات وتخبّطات من بيدهم مسألة الحل والعقد، جرّاء إفساحهم مكانا للمنافقين والمتملقين ومتصيّدي الفرص وإضفاء صفاتٍ عليهم هم أبعد ما يكونون عنها، في الوقت الذي يحارَب فيه كل صاحب رأي حر حريص على أمن بلده ومستقبله.
ويجدر القول هنا إن محاولة تلمس حلول لمشكلات المنطقة فيما بينها عند هذا الطرف أو ذاك شرقا أو غربا فيها من المخاطر ما الله به عليم. فلا أحد سيكون مخلصا في إيجاد حل لمثل تلك المشكلات، من دون ثمن يُدفع، عاجلا أم آجلا، تكون في ثناياه تبعية يصعب التخلص
منها، في الوقت الذي تناكِف دول لا تملك ما تملكه دول المنطقة من قوةٍ من تسعى دولنا إلى حل مشكلاتها عنده، وتُجبِره على الجلوس معها ندا لند، مثال ذلك كوريا الشمالية، وهو أمرٌ، من وجهة نظري، سيكون هو الأسلوب بين إيران وأميركا في نهاية المطاف، فالطرفان سيجلسان على طاولة واحدة لحل مشكلاتهما فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وغيره من أمور أخرى تتعلق بمكانة كل منهما في المنطقة، وكل ما نسمعه بينهما ضجيج سيختفي في القريب العاجل، بعد أن يكون ساكن البيت الأبيض قد استحلب ما استطاع من أموال من بعض دول المنطقة. والسؤال هنا: ما الذي يمكن أن نتعلمه من تعامل هاتين الدولتين مع الولايات المتحدة الأميركية؟ ببساطة، إنه التقدم العلمي، فهو ما يرتقي بالدول ويجعلها في مصاف الدول المتقدمة، وليس بالمال الذي يأتي ويذهب في أمور تافهة، كلها في خانة الاستهلاك وتكديس آلات القتل التي لا تستخدم إلا فيما بين دولنا. في وقتٍ بإمكان هذه الأموال اختصار المسافات والوقت، لتقدم كياناتنا لو أنفق منها بنسب كافية على الإنسان وتطوره من خلال التركيز على ما يخدمه وعلى مستقبله في مجالاتٍ، مثل التعليم والصحة، مسنودة في مشاركته في تقرير مصيره ومصير وطنه، كون تلك المجالات أساس كل مجتمع يريد الارتقاء والنهوض.
وختاما نقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إنا نعوذ بك من جار السوء".
وإذا كانت السياسة كما يقال فن الممكن وتدوير الزوايا، فإن مصطلح كسب الخصم واستمالته، أو احتوائه، من المفاهيم التي يجب أن تسود في سياسات دول المنطقة ويُسعى إليها بقوة، وهو مصطلح رباني ومنهج إسلامي لحل النزاعات، حث عليه المولى عز وجل في محكم تنزيله، حيث يقول عز وجل في كتابه الكريم "ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". وذلك لا يتأتى إلا إذا خلُصت الإرادات وصدقت النيات، وتم التركيز على ما يجمع دول المنطقة والاتفاق حوله والابتعاد عمّا يفرقها ولو مؤقتا. لكن للأسف، لا يدفع
ويجدر القول هنا إن محاولة تلمس حلول لمشكلات المنطقة فيما بينها عند هذا الطرف أو ذاك شرقا أو غربا فيها من المخاطر ما الله به عليم. فلا أحد سيكون مخلصا في إيجاد حل لمثل تلك المشكلات، من دون ثمن يُدفع، عاجلا أم آجلا، تكون في ثناياه تبعية يصعب التخلص
وختاما نقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إنا نعوذ بك من جار السوء".
دلالات
مبارك كليفيخ الهاجري
مقالات أخرى
24 يناير 2018
19 نوفمبر 2017
07 نوفمبر 2017