مواطنو دول الحصار وإرهاب السلطة

24 يناير 2018
+ الخط -
ستنتهي أزمة حصار قطر عاجلا أم آجلا وبلا رجعة؛ وسيتم ذلك من خلال إحدى الطرق الثلاث: الأولى، قبول دول الحصار بالجلوس على طاولة الحوار مع دولة قطر، لمناقشة كل المواضيع التي أثيرت منذ بداية الحصار، سواء لإيمانها بهذا المنحى، لعدم جدوى ما عملته تجاه جارتها قطر، أو استجابة لضغوط دولية وإقليمية عليها لتغيير مواقفها. الثانية، قد تكون بتدخل الأقدار الإلهية في تغيير الأوضاع الداخلية في هذه الدول، أو بعضها، ما قد يستوجب معه تصحيح اتجاه بوصلتها حيال جارتها قطر. أو خيار ثالث، ترك الأزمة تأخذ مداها حتى تتلاشى وتنتهي، مثلما تسقط آخرُ قطرة ماء من فوهة السقا. ما يعني إطالة أمد الأزمة، وتعايُش أجيال متلاحقة من أبناء المنطقة معها. وسيتحمل قادة دول الحصار وزر ذلك، وهم من تحوّل لديهم عدم الصدق إلى غريزة تثير الريبة في كل ما هو قادم، فكيف لنا، نحن القطريين، تصديقهم أو الوثوق بهم.
كانت هذه الأزمة منذ اختلقتها دُول الحصار، كما يقال بالعامية، "عوجاء" في أسبابها وفي إدارتها. كما كشفت ضحالة فكر من بيده مهمة إدارتها في تلك الدول. وما قد يُحسب لدول الحصار فيها تفنّنها في توزيع أدوار إدارتها بينهم. فما أن يخفُتَ بريقها في إحدى هذه الدول، إلا انبرى إعلام الأخرى لتلقّفها، ليُعيد إليها بريقا زائفا، مغلفا بأكاذيب وادعاءات لم يَسلم منها حتى التاريخ من خلال تزييف حقائقه. ناهيك عن انحطاط أخلاقي في الخصومة، لا سابق له، ولا يُتورّع فيه من الخوض في الأعراض. وأنا أؤمن بأنه ما كان ذلك ليحدُث، لولا موافقة 
أصحاب الأمر والنهي في تلك الدول. فلا دينُنا ولا أخلاقُنا، ولا عاداتُنا تقبل بما يجري على أيدي السلطة وإعلامها في دول الحصار تجاه قطر. كما أجزم أن غالبية مواطني تلك الدول غير راضين عمّا يجري تجاه أشقائهم القطريين. ونحن بدورنا غيرُ راضين عمّا تعانيه شعوب تلك الدول من إجبارٍ على اتخاذ إجراءاتٍ هي غير مقتنعة بها تجاهنا. فكم من إخوة لنا من تلك الدول أبلغونا بطرق مختلفة، وفي أماكن ومواقف لا وجود لرقيب أو كاميرات مراقبة فيها خوفا من المساءلة، عن امتعاضهم مما يجري. والغريب أن غالبية هؤلاء الإخوة من دولة الإمارات العربية المتحدة، ويعطي ذلك كله انطباعا سيئا عن كيفية تعامل السلطات الإماراتية مع مواطنيها؛ بعكس الإخوة السعوديين الذين لا يُخفي كثيرون منهم عدم الاهتمام بقضية مراقبتهم، في حال التحدث أو السلام على أشقائهم القطريين في الخارج، ناهيك عن تململ كثيرين منهم في الداخل، حتى داخل الأسرة السعودية المالكة، بدليل آخر قصائد الشاعر "السامر" الذي يُطلَق عليه "شاعر آل سعود" الذي سُجن أقارب له، وكثيرٌ من أثرياء السعودية تحت مسمى مكافحة الفساد، حتى بات سعوديون كثيرون يحمدون الله، طبعا من باب التندّر، على عدم الغنى، وإلا لزجّ بهم في فندق الريتز. وقد يكون مناسبا في هذا المقام نقل انطباعي الشخصي من خلال تعاملي مع إماراتيين كثيرين، على مختلف مستوياتهم العلمية، حيث يَنسُب كلّهم ما هم فيه من رخاء وما لديهم من نعم إلى الشيوخ "فالشيوخ أعطوا والشيوخ عملوا وقس على ذلك الكثير"، وكأن حال الإماراتيين مع قادتهم حال العبيد في مزارع الإقطاعيين في بداية تكوين الولايات المتحدة الأميركية، فعلى الكل أن ينفّذ وينقاد، وإلا فالمُساءلة والملاحقة، بل قد يكون العقاب، مصيره، فمتى كانت حقوق المواطنة، التي هي
 حقوق أصيلة، منحة من الحاكم؟! وما قيمة الإنسان فيما يجري من حوله، وفي ماذا يختلف عن مخلوقات الله الأخرى، إن كان حظه من الحياة لا يتعدّى الأكل والنوم؟ إنها بحق دكتاتورية السلطة في الإمارات، وهو ما أسمّيه إرهاب السياسة الداخلية التي ينخرها الفساد، ويفاقمها كثرة المطبّلين لها، وعدم وجود من يجرؤ على الوقوف بوجهها، والقول "كفى" حين يُزجّ خيرة رجالاتها في غياهب السجون.
لم تعد دول الحصار كما كانت قبله، فقد أغوت قادتها السلطة والمال، وغرّتهم وعودٌ واهية من بعيدين، إن هم تقرّبوا من إسرائيل، وحالهم في ذلك ينطبق عليه قول المتنبي:
ومن يجعل الضرغامَ بازاً لصيدِه/ تصيّده الضرغامُ فيما تصيّدا
لقد تحكّم بالقيادة السعودية الجديدة بدرجة كبيرة ترامب، وصِهره كوشنير، وبرعاية إماراتية بزعامة محمد بن زايد الذي بتقديري إنسان مُتقلب، لا يمكن التنبؤ بسلوكه، خصوصا إذا عرفنا أن علاقات السعودية والإمارات التي نرى أنها، على الرغم من دفئها في الوقت الحاضر، غير متسقة مع واقعها، عند إثارة المشكلات الحدودية، وخصوصا أحقية مِلكية حقل الشيبة النفطي بين الدولتين، والذي تراه الإمارات حقا لها اجتُزِئ منها. وعليه، الانطباع لدي أن حظوظ حل أزمة حصار قطر في القريب العاجل، أو المستقبل المنظور، ليست كبيرة، في ظل وجود "المحمدين"، ولِيّي عهد السعودية والإمارات. ولم يجانب مفتي السعودية الصواب، حين قال مُعلّقا على قرار الحصار إن "... فيه منفعة لمستقبل القطريين أنفسهم"، إذ أستطيع هنا أن أؤكد ذلك، فقد انقلبت المحنة إلى منحةٍ، من خلال إعادة فهمنا واقعنا داخليا وخارجيا، لكن طبعا بما لا تشتهيه دول الحصار.
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
مبارك كليفيخ الهاجري

سفير دولة قطر لدى الاتحاد السويسري وإمارة ليختنشتاين

مبارك كليفيخ الهاجري