هل يستخدم السيسي كورونا لتصفية معارضيه؟

28 يوليو 2020
+ الخط -

تضع وفاة الصحافي المصري، محمد منير، في 13 يوليو/ تموز الجاري، على إثر حبسه احتياطيًا منذ منتصف الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، ثم إخلاء سبيله في 3 الشهر الجاري، علامات استفهام بشأن قرار نيابة أمن الدولة العليا إخلاء سبيله من دون ضمانات؛ فالمُعتادُ أن يطول حبس الصحافيين في مثل حالة تعبيرهم عن رأي لا يعجب نظام عبد الفتاح السيسي، فضلًا عن أن يُخالفه، أو حتى مجرد نقل رأي أو تقرير أجنبي لا يراه النظام مناسبًا، مثلما يحدث مع رئيس تحرير موقع مصر العربية، عادل صبري، على إثر نشر الموقع تقريرا عن الانتخابات الرئاسية مترجما نقلًا عن صحيفة نيويورك تايمز، إذ يستمر حبس صبري منذ الـ3 من إبريل/ نيسان 2018، والحالات المُماثلة متعددة، فلماذا تم الإفراج عن محمد منير بعد 18 يومًا، وبدون ضمانات؟ وهل يوصلنا إعلان مُنير إصابته بفيروس كورونا، بعد إطلاق سراحه بأيام قليلة، إلى أن السلطة أيقنت إصابته بالفيروس، فبادرت إلى إطلاق سراحه، بعد التأكد من أن حالته الصحية لن تتحمّل الاستمرار على قيد الحياة؛ خصوصا أنه كان رهن الحبس في مستشفى ليمان طرة لمتاعبه الصحية الأخرى؛ فضلًا عن أن حبسه طال عن الـ14 يومًا اللازمة للتأكد من الإصابة بالفيروس؟
بمعنى أكثر وضوحًا وتعميمًا: هل دخل النظام المصري في منظومة أكثر ضراوة وانحطاطًا باستخدام الفيروس لتصفية معارضيه، من دون حاجته لاستمرار احتجازهم، أو عرضهم على محاكم وتمديد فترة حبس، أو شكوى آلاف منهم من الحبس الاحتياطي من دون سند من حكم قضائي؛ وما شابه من إجراءاتٍ تجلب عليه "صداع الرأس" وتكاليف إضافية، فآثر تسليط كورونا على الذين لا يرغب في استمرار حياتهم، ولو أدى ذلك إلى إصابة بعض أعوانه أيضًا، مثل مأمور قسم شرطة طلخا في المنصورة، العميد جهاد الشربيني، الذي أعلنت منظمات حقوقية إصابته الشهر الماضي. وأشارت إلى أن العدوى ربما وصلت إليه من المُسجونين أو العاملين في القسم، وهو ما يُشير إلى تردّي أوضاع أماكن الاحتجاز في عموم مصر، وانتشار الفيروس بها على نحو أكثر من خطير، كما في وفاة وكيل مدارس الجيل المُسلم، حسن زيادة، في حجز قسم أول المحلة الكبرى في محافظة الغربية في 7 يونيو/ حزيران، تلته بعد يومين وفاة معوّض محمد السيد سليمان في مقر الاحتجاز نفسه، بالإضافة إلى نقل المساجين ياسر الحسيني، محمد فتحي البغدادي، وعلي ماهر حماد، إلى المستشفى العام في المحلة، مُصابين بكورونا أيضًا، وإنْ تأكد الإفراج عن الأخير لاحقًا، والجميع من موتى ومُصابين من قسم واحد في شهر واحد، فما بالنا ببقية أماكن احتجاز الجمهورية؛ وقد تأكدت وفاة نحو 13 منهم الشهر الماضي؟

ماذا عن الأحوال في 67 سجنًا مصريًا آخر أنشأ منها السيسي 26؟ وكيف أخبار كورونا في 286 من مقار الاحتجاز داخل أقسام الشرطة ومراكزها؟

أكدت منظمة "كوميتي فور جستس" الحقوقية، في 18 يوليو/ تموز الجاري، انتشار فيروس كورونا في ثماني محافظات مصرية، في 28 مقر احتجاز. ورصدت في العداد الإلكتروني الخاص بموقعها 104 حالات اشتباه بكورونا في أماكن الاحتجاز والسجون معًا، منها 29 حالة مؤكدة و10 حالات وفاة.
وبشأن السجون، تجاوز الأمر حد المعقول، إذ ذكرت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية في الـ21 من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) أن "العنابر المُخصصة لحالات الاشتباه في كورونا في عدد من السجون صارت كاملة العدد؛ ومن هذه السجون العقرب شديد الحراسة. وفي اليوم نفسه، نقل موقع "تي آر تي" عربي التركي عن وكالات أنباء رسالة مُسربة من مجموعة عنابر السجن نفسه، تفيد بأن عدد المُصابين بأعراض الفيروس تجاوز ثلاثمائة، من دون عزل طبي لهم أو اتخاذ أي إجراء صحي، مع معاناتهم الشديدة "بصورة أشد من المستشفيات وغرف العناية المركزة"، كما أكدوا أنهم ليسوا مجرمين، بل ضحية نظام لفق لهم تهمًا بسبب خلاف سياسي "يمكن حله في أي لحظة"، بحسب تعبيرهم.
تُرى، كيف يمكن أن تكون أحوال المُصابين بالفيروس في العقرب بعد أكثر من شهر على الرسالة السابقة؟ وماذا عن الأحوال في 67 سجنًا مصريًا آخر أنشأ منها عبد الفتاح السيسي 26؟ وكيف أخبار كورونا في 286 من مقار الاحتجاز داخل أقسام الشرطة ومراكزها؟ وماذا أيضًا عن السجون السرّية في المعسكرات الخاصة بالأمن وغيرها؟ خصوصا أن نسبة التكدس داخل السجون تتراوح بين 160%، و300% بحسب تقرير للمجلس القومي الحكومي لحقوق الإنسان في عام 2016، ونسبة التكدّس في تزايد مستمر؛ فما بالنا بمعسكرات الاعتقال والأماكن السرّية للاحتجاز؟ ولماذا لا يترك السيسي المكايدات السياسية، وينظر في أحوال نحو 26 ألف مصري محبوس احتياطًيا لم تصدر ضدهم أحكام، ولم ينظر فيهم قضاء، هذا غير آلاف غيرهم ممن يُعانون من تهم ملفقة لمقاومتهم النظام بالرأي مع تقدم العمر بكثير منهم، أم أن النظام سيعمد، خلال الفترة المقبلة، إلى القضاء على أكبر عدد من كبار مُناوئيه عبر كورونا؟ وماذا أعد المُقاومون لنظامه الطلقاء لهؤلاء غير الكلمات والمراثي؟