14 نوفمبر 2018
هل تلغي إدارة ترامب الاتفاق النووي الإيراني؟
هل إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بصدد تجميد الاتفاق النووي مع إيران، أو حتى إلغائه؟ لا يمكن تقصّي ملامح إجابة لهذا التساؤل، إلا بتحليلٍ ينطلق من حقيقة أن هذا الاتفاق اسمه "اتفاق نووي"، ولا شيء آخر. لم تعقد أميركا مع إيران اتفاقاً حول ولاية الفقيه، ولا صفقةً بشأن تقاسم النفوذ الاقتصادي في منطقةٍ ما. وهي لم تعقد اتفاقاً حول دور إيران الاستراتيجي في عمقها المشرقي- العربي. عقدت أميركا اتفاقاً يدور حول مسألة القدرة النووية حصراً. لهذا، علينا أن نسبر دلالات عقد اتفاقٍ حول مسألة القدرة النووية دون سواها، لكي نستطيع أن نستشرف الممكنات التي يمكن أن تؤول إليها تلك الاتفاقية، في عهد إدارة ترامب.
من أهم النقاط التي يجب أن نفهمها في ما يتعلق بعملية الانتساب لنادي الدول النووية أن معيار اعتبار دولةٍ ما "دولة نووية" لا يقوم على مسألة صناعة تلك الدولة للسلاح النووي، وامتلاكها له، جزءاً من ترسانتها العسكرية. المعيار الناظم والأساس هو القدرة على إنتاج قوة نووية كافية لتحويلها إلى سلاح عسكري. المعيار هو مسألة "القدرة"، وليس مسألة "الصناعة والحيازة". كل الدول المنتمية للنادي النووي تملك قدرة نووية كافيةً لتحويلها سلاحاً، ولكنها لا تصنع السلاح، ولا تمتلكه في مستودعات ترسانتها بالضرورة. وحين تعرّض العراق لحملة تفتيش دولية، ومن بعدها لاحتلال أميركي- بريطاني، بحجة امتلاكه السلاح النووي، كانت المسألة في العمق مسألة استراتيجيةً تتعلق باكتشاف مديري اللعبة الاستراتيجية بأن العراق بات يمتلك "قدرة" نووية كافية ليدخل النادي النووي. كان الكل يعلم أن العراق لم يمتلك السلاح النووي، وأنه لم يصنعه في الواقع، إلا أن اللاعبين الاستراتيجيين في العالم لم يكونوا قد قرّروا بأن يُنسِّبوا أياً من دول العالم العربي إلى نادي الدول المالكة قدراتٍ نووية.
يمكن لمن يتابع تفاصيل الحالة الاقتصادية والمالية للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يدرك أن من الأربح والأفيد مادياً واقتصادياً لإيران أن تطور خطاباً عن قدرتها على إنتاج السلاح
النووي، بدل أن تنتج فعلياً سلاحاً كهذا. صناعة السلاح النووي وتخزينه وحمايته وصيانته الدورية، ومن ثم تطويره، أمور كانت سترهق الاقتصاد الإيراني بشكل كامل، وتقود البلد إلى الاستنزاف الكلي، وربما الانهيار الوشيك، بسبب عدم قدرة إيران على تحمل تكاليف المحافظة على منتوج كهذا، من دون استعماله أبداً في الواقع، فالدول المالكة للسلاح النووي تعلم تماماً أنه دفاعي، وليس هجومياً، وأنه لن يتم استخدامه أبداً يوماً ما في أي صراع.
أدرك النظام الإيراني هذه المعادلة، وعرف تماماً أن تأشيرة دخوله إلى النادي النووي تقوم على خطابه المقنع حول قدرته على صناعة سلاح نووي، وليس على صناعته مثل هذا السلاح وامتلاكه. منذ البداية، طوّرت إيران خطاباً متماسكاً بشأن تلك القدرة، ونجحت في إقناع الدول النووية به. ولنتذكّر أن المرشد الأعلى أصدر فتوى دينية حاسمة ومكرّرة بتحريم صناعة السلاح النووي، إلا أنَّه لم يصدر يوماً فتوى تحرِّم نشر خطاب القدرة على القيام بذلك وتسويق هذا الخطاب، فالإمام الفقيه يعلم تماماً ما تحتاجه إيران للانتساب للنادي النووي، والدخول في عصبة الدول المقرّرة واللاعبة في اللعبة الاستراتيجية الناظمة للنفوذ حول العالم. حققت إيران هدفها. فإدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ومعها أوروبا، ارتأت أنَّ إيران حققت شرط الانتساب، لأنها باتت تمتلك القدرة المطلوبة لذلك. لم يمنع الاتفاق النووي إيران من دخول النادي النووي. إنه، في الواقع، الاتفاق الذي احتاجته إيران كي تدخل هذا النادي، وهو الاتفاق الذي احتاجه أعضاء النادي، لإدخال إيران إليه، وجعلها تلعب معهم اللعبة الاستراتيجية لتوزيع النفوذ، بدل أن تبقى خارج النادي، تلعب ضد قواعد اللعبة، وتعمل على إزعاجها.
لنعد الآن إلى السؤال الأساس عن موقف إدارة ترامب المتوقع من الاتفاق النووي مع إيران. من الصعب موضوعياً الحديث بشكل محدّد ودقيق عمّا يمكن أن تقوم به إدارة رئيس أميركي،
مثل ترامب، ومن يختارهم من شخصيات لتبوؤ مواقع القرار، والتأثير في فريقه. أرجِّحُ أنَّ إدارة ترامب لن تميل إلى إخراج إيران من نادي الدول النووية. فإبقاؤها في النادي، وحصر تأثيرها على المشهد الاستراتيجي بلعبة "القدرة على صناعة السلاح النووي"، من دون الوصول إلى "صناعته وتخزينه أو نشره" أربح وأفيد لأميركا ولباقي اللاعبين. كما أنَّ إعطاء إيران الانطباع بأنها باتت لاعباً رسمياً في النادي أربح من جعلها تلعب لعبتها الخاصة خارجه. ولكن، من الممكن أن تعمد إدارة ترامب إلى تحجيم حدود النفوذ الذي تطمح إيران إليه في عمقها العربي-المشرقي بقدرتها النووية. لا روسيا ولا إسرائيل ستقبلان مثل هذا النفوذ والتأثير، فالأولى تعتبر المشرق-العربي عمقاً استراتيجياً أساسياً في سياستها الخارجية، بينما تعتبره الثانية عمقاً وجودياً أولاً في أمنها وفلسفة وجودها. قد نشهد عملاً حثيثاً لتحجيم حدود استفادة إيران من دخولها النادي النووي مع ترضيتها بالسماح لها باستمرار دورها الطاغي في العراق، وأدوار أكثر اعتدالاً ووسطيةً في سورية ولبنان وربما اليمن، كي لا يتم تفجير الشارع العربي- السني وجرّه إلى محاولة امتلاك قدرة نووية، تدفعه إلى المطالبة بالانتساب للنادي النووي، الأمر الذي لا يريد أعضاء النادي حالياً احتضانه. ما لم تنجرف إلى مجازفةٍ كبرى، لن تعمد إدارة ترامب إلى نقض الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنها ستُحجِّم مفاعيله، ومدى استفادة إيران من خطاب قدرتها النووية، فأميركا، بل وإيران نفسها، تريد أن يبقى خطاب القدرة النووية "خطاب قدرة" فقط، فكلفة تجاوزه لا يقدر عليها، لا إيران ولا من اتفق معها.
من أهم النقاط التي يجب أن نفهمها في ما يتعلق بعملية الانتساب لنادي الدول النووية أن معيار اعتبار دولةٍ ما "دولة نووية" لا يقوم على مسألة صناعة تلك الدولة للسلاح النووي، وامتلاكها له، جزءاً من ترسانتها العسكرية. المعيار الناظم والأساس هو القدرة على إنتاج قوة نووية كافية لتحويلها إلى سلاح عسكري. المعيار هو مسألة "القدرة"، وليس مسألة "الصناعة والحيازة". كل الدول المنتمية للنادي النووي تملك قدرة نووية كافيةً لتحويلها سلاحاً، ولكنها لا تصنع السلاح، ولا تمتلكه في مستودعات ترسانتها بالضرورة. وحين تعرّض العراق لحملة تفتيش دولية، ومن بعدها لاحتلال أميركي- بريطاني، بحجة امتلاكه السلاح النووي، كانت المسألة في العمق مسألة استراتيجيةً تتعلق باكتشاف مديري اللعبة الاستراتيجية بأن العراق بات يمتلك "قدرة" نووية كافية ليدخل النادي النووي. كان الكل يعلم أن العراق لم يمتلك السلاح النووي، وأنه لم يصنعه في الواقع، إلا أن اللاعبين الاستراتيجيين في العالم لم يكونوا قد قرّروا بأن يُنسِّبوا أياً من دول العالم العربي إلى نادي الدول المالكة قدراتٍ نووية.
يمكن لمن يتابع تفاصيل الحالة الاقتصادية والمالية للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يدرك أن من الأربح والأفيد مادياً واقتصادياً لإيران أن تطور خطاباً عن قدرتها على إنتاج السلاح
أدرك النظام الإيراني هذه المعادلة، وعرف تماماً أن تأشيرة دخوله إلى النادي النووي تقوم على خطابه المقنع حول قدرته على صناعة سلاح نووي، وليس على صناعته مثل هذا السلاح وامتلاكه. منذ البداية، طوّرت إيران خطاباً متماسكاً بشأن تلك القدرة، ونجحت في إقناع الدول النووية به. ولنتذكّر أن المرشد الأعلى أصدر فتوى دينية حاسمة ومكرّرة بتحريم صناعة السلاح النووي، إلا أنَّه لم يصدر يوماً فتوى تحرِّم نشر خطاب القدرة على القيام بذلك وتسويق هذا الخطاب، فالإمام الفقيه يعلم تماماً ما تحتاجه إيران للانتساب للنادي النووي، والدخول في عصبة الدول المقرّرة واللاعبة في اللعبة الاستراتيجية الناظمة للنفوذ حول العالم. حققت إيران هدفها. فإدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ومعها أوروبا، ارتأت أنَّ إيران حققت شرط الانتساب، لأنها باتت تمتلك القدرة المطلوبة لذلك. لم يمنع الاتفاق النووي إيران من دخول النادي النووي. إنه، في الواقع، الاتفاق الذي احتاجته إيران كي تدخل هذا النادي، وهو الاتفاق الذي احتاجه أعضاء النادي، لإدخال إيران إليه، وجعلها تلعب معهم اللعبة الاستراتيجية لتوزيع النفوذ، بدل أن تبقى خارج النادي، تلعب ضد قواعد اللعبة، وتعمل على إزعاجها.
لنعد الآن إلى السؤال الأساس عن موقف إدارة ترامب المتوقع من الاتفاق النووي مع إيران. من الصعب موضوعياً الحديث بشكل محدّد ودقيق عمّا يمكن أن تقوم به إدارة رئيس أميركي،