تفتح فنزويلا جبهة جديدة في حروب الطاقة واستراتيجيات السيطرة عليها بين واشنطن وكل من موسكو وبكين. وحروب الطاقة وأسواقها وتسعيرها التي تمتد من المنطقة العربية و"يورو آسيا" وأوربا وتصل حالياً فنزويلا، هي جزء من السباق الجاري على تشكيل النظام العالمي المالي والاقتصادي الجديد، منذ وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم في أميركا.
في هذا الصدد، يرى بيوتر أكوبوف، الخبير الروسي في صحيفة "فزغلياد" الروسية، بعد أن اعترفت الولايات المتحدة وعدد من الدول بزعيم المعارضة الذي أعلن نفسه رئيساً لفنزويلا، أن الصراع انتقل من أجل السلطة في هذا البلد إلى المستوى الدولي. والأزمة الفنزويلية ليست مجرد واحدة من جبهات لعبة جيوسياسية كبيرة، إنما يمكن أن تصبح مركزها لبعض الوقت.
ويشير المحلل إلى استعداد روسيا والصين للدفاع عن شرعية مادورو في وجه الخطط الأميركية. وسيكون مثل هذا الصراع وإطالة أمده في صالح الصين التي ترغب في إشغال ترامب بعيداً عنها وعن بحر الصين، وفي معركة قريبة من بلاده. ولدى الصين مبررات مالية للتدخل وحماية الرئيس نيكولاس مادورو، حيث إن لديها ديونا على فنزويلا تقدر بنحو 19 مليار دولار، منحتها إياها مقابل مشتريات نفط مستقبلية، حسب تقرير سابق لرويترز. ولدى الصين مصالح في استغلال إفلاس فنزويلا وشراء النفط بسعر رخيص جداً يصل في بعض الأحيان إلى 20 دولاراً للبرميل. وتقدر مصادر إجمالي الديون الصينية والروسية على فنزويلا بأكثر من 40 مليار دولار.
من جانبها، ترى المحللة الأميركية كاثلين جونستون، في تقرير بموقع "ميديوم" الأميركي، أن الحملة الأميركية لإسقاط الرئيس نيكولاس مادورو لا علاقة لها بنهجه الاشتراكي، وإنما تتمحور حول مصالح النفط والهيمنة الأميركية في أميركا اللاتينية التي يتحداها الرئيس مادورو ويمنع شركاتها من استغلال الثروات الفنزويلية.
في ذات الإتجاه، يرى الخبير الروسي إيغور بشينيتشنيكوف، المحلل بصحيفة"إزفستيا"، أن الولايات المتحدة لم تتقبّل حقيقة أن الاشتراكيين ظلوا لسنوات عديدة في السلطة في فنزويلا، وحرموا واشنطن من السيطرة على الثروة الفنزويلية الرئيسية وهي النفط.
ولا يخفي الأميركيون تدخّلهم الكبير في شؤون فنزويلا أو أهدافهم من إسقاط النظام الحالي في فنزويلا. ولكن الأطماع الأميركية يغذيها الرئيس مادورو، الذي أفقر شعبه وافتعل صراعات أكبر منه كثيراً مع الشركات والمصارف الغربية متحدياً واشنطن، ليوفر بذلك الفرصة لإسقاطه. وربما يكون الجيش الفنزويلي ومن سيتمكن من إقناعه والسيطرة عليه هو المحك الرئيسي في هذه المعركة بين واشنطن وكراكاس ومناصريها في الصين وروسيا. وحسب تقرير أميركي، فإن مادورو يمنح الجيش امتيازات مالية واسعة وسلطات المتاجرة في الكوكايين. وبالتالي، فإن مصالح الجيش المالية تربطه بمادورو، أكثر من أميركا والمعارضة التي تدعمها.
وحسب وكالة تاس الروسية، قال مدير قسم شؤون النصف الغربي للكرة الأرضية في صندوق النقد الدولي، أليخاندرو فيرنر، إن "قفزة وتائر التضخم الذي كانت نسبته قريبة من مليوني بالمائة في 2018، قد تصل إلى مستوى حوالي 10 ملايين بالمائة في عام 2019، حسبما أتذكر".
وتشير معطيات لجنة الشؤون المالية في البرلمان الفنزويلي إلى أن نسبة التضخم في البلاد بلغت نحو 1.7 مليون بالمائة في عام 2018.
وتعيش فنزويلا أزمة اقتصادية حادة، بما في ذلك فقدان العملة الوطنية قيمتها وزيادة التضخم. كما أسفرت الأزمة عن هجرة أكثر من 3 ملايين شخص من البلاد، حسب معطيات مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن مصدر لم يذكر اسمه، يوم السبت، قوله إن القرار بعدم السماح لحكومة مادورو بسحب الذهب الفنزويلي من لندن تم بعد أن قام مسؤولون أميركيون كبار، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ومستشار الرئيس للأمن القومي جون بولتون، بالضغط على زملائهم في المملكة المتحدة لمنع وصول الأصول المالية الخارجية إلى مادورو.
وأشارت الوكالة إلى أن المسؤولين الأميركيين يحاولون الآن إرسال أصول أجنبية إلى خوان غوايدو، الذي نصّب نفسه قائماً مؤقتاً بأعمال رئيس فنزويلا، من أجل زيادة فرص السيطرة على الحكومة.
وأضافت الوكالة أن إجمالي الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي الفنزويلي يصل إلى 8 مليارات دولار. وجزء من هذه الأصول في بنك إنكلترا، وغير معروف مكان الجزء المتبقي من الأصول.
ونصّب زعيم المعارضة ورئيس البرلمان الفنزويلي، خوان غوايدو، يوم الأربعاء الماضي، نفسه قائماً مؤقتاً بأعمال رئيس فنزويلا بدلًا من الرئيس الشرعي الحالي، نيكولاس مادورو، وتوالت بعد ذلك ردود أفعال الدول ما بين مؤيد ومعارض. وكانت الولايات المتحدة أولى الدول التي اعترفت بالمعارض خوان غوايدو، كرئيس مؤقت جديد لفنزويلا. ودعا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، مادورو، إلى تسليم السلطة لغوايدو، ومنع أي أعمال لاستخدام القوة ضد المعارضة.