هل تتجه ليبيا نحو حكم العسكر؟

06 سبتمبر 2016
+ الخط -
لا أحد يعرف كيف ستتطور الأوضاع في ليبيا التي لا تزال تراوح مكانها، على الرغم من وجود متغيرات متواصلة على الأرض، فالانقسام السياسي هو سيد الموقف بين منطقتي الشرق والغرب. وبدل أن يؤدي تراجع تنظيم داعش عن آخر حصن له، وهو مدينة سرت، إلى تقريب المسافة بين طرفي النزاع، حصل العكس، حيث صعّد برلمان طبرق خطابه، إثر محاولة إعادة ترتيب بيته الداخلي الذي اعتبرته طرابلس "عملية موهومة وفاقدة الشرعية".
إذا صعدنا الكاميرا إلى فوق، يلاحظ أن ما حصل بالنسبة للملف السوري، حيث أخذت تتضح معالم الحل النهائي، بعد أن انخرطت تركيا بشكل كامل في مسار التسوية، لم يتحقق مع الملف الليبي، فالأطراف الإقليمية لا تزال رؤاها ومصالحها مختلفة، كما أن القوى الدولية ليست حازمةً في تحقيق تسوية عادلة بين طرفي النزاع، وهو ما يفسّر المردود الضعيف للمبعوث الأممي، مارتن كوبلر.
تشير آخر المعطيات الواردة من الداخل إلى وجود نيةٍ في تعيين شخصيةٍ عسكريةٍ على مدينة سرت، بعد تخليصها من بقايا تنظيم الدولة. ويأتي ذلك في سياق رد فعل على تعيين خليفة حفتر عدداً من مساعديه العسكريين رؤساء بلديات كبرى في المنطقة الشرقية، وهو ما اعتبره أحد النواب في مجلس طرابلس "انقلاباً عسكرياً على مراحل". يؤكد ذلك احتمال فتح المجال أكثر فأكثر للعسكريين، لتحمل مسؤوليات مدنية وسياسية، سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية.
يُخشى اليوم مع تزايد دور العسكريين أن يؤدي ذلك إلى تعقيدٍ أكثر للحالة الليبية المزمنة، حيث بدل أن تنتقل القيادة من أيدي العسكر أو العناصر المليشياوية، لتصبح بيد السياسيين، يحصل حالياً العكس، وهو ما من شأنه أن يجعل الكلمة العليا بيد حاملي السلاح، وتتراجع فرصة قيام دولةٍ مدنية، ويتأخر احتمال توحيد العسكريين ضمن جيشٍ وطني موحّد، وبدل أن تشهد ليبيا، في ظل تراجع قوة داعش، استقراراً أمنياً وسياسياً هي في أشد الحاجة إليه، سيحصل العكس، حيث سيستمر الصراع المسلح من أجل السيطرة على الأرض، وعلى الثروة، وعلى السلطة.
يأتي ذلك في ظل نجاح الجنرال خليفة حفتر الذي أصبح شخصيةً محورية قوية، في المنطقة الشرقية على الأقل، وهو ما دفع بمختلف الأطراف، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى الاعتقاد بأن استبعاده لم يعد ممكناً، وأن التعامل معه اليوم ضروري، باعتباره جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكل، بعد أن أصبح الحاكم الفعلي في هذا الجزء الحيوي من التراب الليبي.
هناك عوامل عديدة من شأنها أن توفر الأرضية الصالحة لصعود العسكريين، أولها فشل المدنيين السياسيين في سد الفراغ، بعد مقتل معمر القذافي وانهيار نظامه. ويستوي في ذلك رجال العهد السابق الذين كان يستعملهم القذافي، لتنفيذ نزواته وطلعاته، وبالتالي، لم تتوفر لهم الفرصة، ليمارسوا السياسة على أصولها، أو السياسيون القادمون من وراء البحار الذين مارسوا المعارضة عن بعد، وعندما توفر لهم المناخ الملائم، وأنجزوا انتخاباتٍ ديمقراطيةٍ، وشكلوا حكومةً مشتركةً جمعت مختلف مكوناتهم، سرعان ما فشلوا، وذهبت ريحهم، وتوزعوا على المحاور الإقليمية والدولية، وفتحوا بذلك المجال أمام المليشيات وعصابات التهريب وتجار الموت والعملاء المأجورين من الخارج والتنظيمات السلفية المسلحة.
في هذه الأجواء المشحونة بالقلق، طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في زيارته تونس، أخيراً، بعدم إبعاد الجامعة عن الملفات الساخنة، ومنها الملف الليبي، لكنه لم يكشف للرأي العام العربي عن ماهية الأطراف التي تعمل على ذلك. إذ لا يخفى على أحدٍ انقسام كبرى العواصم العربية حول مستقبل ليبيا، كلٌّ يريد أن يكون له قدم في هذه البلاد، الغنية بنفطها وبموقعها الاستراتيجي. وهو ما يفسّر عجز الجامعة عن القيام بأي دور فاعل في ليبيا، مهما عقدت المؤتمرات، وأصدرت البيانات. وكما حصل مع سورية، فإن الجامعة ستبقى تنتظر اتفاقاً أميركيا أوروبيا روسياً ليصطف العرب وراءه، ويؤيدون التسوية القادمة، ولو كانت على حسابهم، وعلى حساب الليبيين فاقدي السند.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس