نحن المغاربة

01 ديسمبر 2014

مياه الأمطار في إحدى نواحي مراكش (28 نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

كتب القاص والروائي المغربي الراحل، محمد زفزاف، رواية قصيرة، عنوانها "قبور في الماء". لم يكن يحكي عن فيضانات المغرب التي تطال مناطق كثيرة في البلاد، ترك سكانها لمجابهة مصيرهم، بل عن صيادين، في منطقة المهدية بمحاذاة الرباط. كانوا يتعيشون على البحر، حيث المحيط رزقهم، وهو، في الوقت نفسه، مقبرة مائية لأبناء القرية. لكل واحد منهم حكاية مع الموت، ومع البحر، ولكل عائلة قبر مائي أو أكثر، حيث كانت المراكب الصغيرة تبحر مساءً، أو فجراً، ولا تعود.
اليوم، تتكرر مشاهد الغرق في البلاد، عاد مشهد الجنازات المائية، ففي أسبوع من التساقطات المطرية، تدفقت السيول، والأودية القديمة التي نسيتها ذاكرة مصممي المدن ومهندسي المجال الحضري، واستأنفت عملها، فجرفت كل من وجدته في طريقها. والحصيلة ثقيلة جدا في الممتلكات والأرواح. فلم يعرف المغاربة هل يفرحون بخير السماء الذي طال انتظاره، أم يحزنون على الدولة التي تركتهم عزّلاً، يواجهون مصيرهم، هناك في مدن مغرب الهامش، وحيث كل البنية التحتية ما خلفه الاستعمار، منذ أكثر من سبعين سنة.
يكتب أحد رواد "فيسبوك" ناقماً أن على المغاربة أن يطالبوا بعودة فرنسا إلى البلاد، لتكمل خيرها الذي بدأته، بتشييد البنى التحتية من مدارس ومستشفيات وجسور، ما دام أن ما صمد في الفيضانات، المستمرة هو القناطر التي بناها المستعمر، فيما تساقطت قناطر "أبناء الاستقلال"، الواحدة تلو الأخرى، مثل ورق مقوى. والغريب أن بعض هذه القناطر والجسور دشنها الملك، قبل مدة، أي بعد أن خذل هؤلاء الشعب، وسرقوا المال العام، تمتد جسارتهم إلى تضليل الملك.
طبعاً، ليس قصد هذا الفيسبوكي، وغيره ممن يديرون حواراً غير مسبوق في البلاد، بالمعلومات المتناقلة وصور الفيديوهات التي ضج بها "يوتيوب"، أن تعود فرنسا إلى المغرب، فلا أحد يرضى لبلده ذلك. ولكن، عندما تسقط قناطر الاستقلال، وتصمد جسور الاستعمار، فذلك علامة على أن دولة الاستقلال خانت آمال مواطنيها، وبالتالي، من يسير الشأن العام يدفع الدولة إلى الانهيار، وهذا في مؤداه لا يقل عن أي عمل تخريبي آخر.
في مشهد ساخر آخر، يهاتف سائق عربة شحن زوجته، وهو يهم باجتياز جسر، أنه مقدم في التو واللحظة على المرور من القنطرة، ويطلب منها أن تعتني بالأولاد، إذا حصل له مكروه.
لكن الزوجة الخبيرة "تعطيه التعليمات التالية: شوف، إذا كانت القنطرة ديال الاستعمار دوز فوقها، وإذا كانت ديال الاستقلال ارجع لحال سبيلك".
يحمل الموقف الساخر، هنا، في العمق وعياً جماعياً عند المغاربة، بأنه جرى نهب البلاد من مافيات الريع، التي استفادت من قربها من نافذين في السلطة، وكونت غطاءً مصلحياً كبيراً، واستفادت، عقوداً، من صفقات كبرى تهم البنى التحتية، من دون أن تخضع لأية رقابة أو محاسبة، اللهم حملات عشوائية محدودة تأتي بنتائج عكسية، وفي الغالب، تكون في الوقت الميت، بعد وقوع الكارثة، كما هو الشأن اليوم، حيث يجري فتح تحقيق في أسباب انهيار قناطر حديثة الإنجاز.
وشر البلية ما يضحك، فبعد كل هذه المآسي، يخرج مسؤول حكومي ليقول إن سبب ارتفاع ضحايا الفيضانات يعود إلى عدم احترام المغاربة تعليمات المرور، بل إن فرداً من عائلة ضحايا خرج، أو "أخرج" ليقول، وكأنه خبير، إن عائلته هي من كان السبب عندما أصرت على اجتياز الطريق المغمور بالماء.
وهذا منتهى الغرابة، حين يخرج الضحية راضيا مبتسما للكاميرا، وهو يجلد نفسه، بينما تحذر أبواق أخرى: حذار من التوظيف السياسي للفيضانات، في حين تقول الحكومة: لن نسمح باستغلال مآسي المغاربة. أما آلاف الجمعيات التي تشتغل في "التنمية"، وتتلقى مال الدولة والمنظمات الأجنبية والاتحاد الأوروبي، فتبخرت، أو هي في قرار مكين.
أليس أفضل أن يعود الوندال والبيزنطيون!

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..