يتّجه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى التصعيد الأمني في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية، بما في ذلك سعيه، إلى إبراز دوره كرئيس للحكومة في إصدار توجيهات وخطوات أمنية تتعلق بمواجهة الانتفاضة، كما حدث أمس الأول بعد عملية "بيت حورون". فقد سارع ديوان نتنياهو، أمس الأول إلى إصدار بيان للصحافة، يؤكد فيه أن فرض الطوق الأمني على قرية بيت عور التحتا، التي كان يسكن فيها منفذا العملية الشهيدان إبراهيم علان وحسين أبو غش، كان بموجب أوامر صادرة عن نتنياهو وعن وزير الأمن موشيه يعالون.
ويبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، وعلى ضوء تَصدُّع صورته أمام الإسرائيليين، بصفته رجلاً قادراً على حفظ الأمن و"مواجهة الإرهاب"، سيحاول استعادة صورته كـ"رجل الأمن" بعد تشديد خطوات الاحتلال ضد الانتفاضة الفلسطينية. ومن هذه الخطوات، إشارة جهات أمنية إلى احتمال توجّه الاحتلال إلى منع الفلسطينيين العاملين في المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية من دخول المستوطنات، والعودة إلى فرض الطوق الأمني ونشر الحواجز العسكرية في محيط البلدات والقرى التي يخرج منها منفذو العمليات، وذلك على غرار الخطوات القمعية الأولى في بداية الانتفاضة الفلسطينية التي حاول نتنياهو الاستعانة بها لضرب الانتفاضة في القدس المحتلة والقرى المحيطة بها، عبر زرع كتل إسمنتية على مداخل هذه القرى.
وبموازاة تراجع صورته كـ"رجل الأمن" القادر على ضرب "الإرهاب"، يواجه نتنياهو أيضاً رفض الجهات العسكرية في إسرائيل تقديراته ودعايته في كل ما يتعلق بالتهديدات الأمنية في إسرائيل. هذا الأمر ظهر جلياً في خطاب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوت، الاثنين الماضي، الذي اعتبر أن الاتفاق مع إيران يحمل في طياته إلى جانب بعض المخاطر، فرصاً لإسرائيل، وأن إيران معنية بالوفاء بتعهداتها بالاتفاق حتى تتمكّن من الاستفادة من ثماره. وجاء ذلك الكلام خلافاً لادعاءات نتنياهو بأن الاتفاق من شأنه تكريس مكانة إيران كقوة إقليمية ودولية، وأنها ستسعى باستمرار لخرق الاتفاق وعدم الالتزام به. والأهم من ذلك كان إقرار أيزنكوت أن الساحة الفلسطينية تشكّل أكبر تحدٍ لإسرائيل، وأنه لا يمكن حل ومواجهة الانتفاضة الفلسطينية من خلال الحل العسكري، بينما يحاول نتنياهو باستمرار الادعاء أن القضية الفلسطينية ليست محور الصراع العربي الإسرائيلي، وأنه يمكن بعد التوصّل لاتفاقيات مع الدول العربية، التوصّل إلى حل مع الطرف الفلسطيني.
اقرأ أيضاً: حكومة الاحتلال تشكل لجنة وزارية لشؤون الاستيطان
وفي الساحة الداخلية، وبفعل تركيبة ائتلافه الحالي، وكون حزب "البيت اليهودي" عراب الاستيطان الذي يصوّر نفسه حامياً للمستوطنين، يقوم نتنياهو بمراعاة المستوطنين وعدم إغضابهم، وهو ما يفسّر مثلاً موافقته أمس الأول، على الرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر على تشكيل حكومته الحالية، على تطبيق البند 77 من اتفاق الائتلاف الحكومي مع حزب "البيت اليهودي"، وتشكيل لجنة وزارية لشؤون الاستيطان، حتى لا يبقى هذا الملف محصوراً في صلاحيات يعالون.
وجاءت هذه الخطوة بعد أن هدد حزب "البيت اليهودي" بعدم التصويت مع اقتراحات الحكومة، ومطالبته بتنفيذ البند المذكور، وعدم إبقاء صلاحيات الاستيطان بأيدي يعالون. ومع أن نتنياهو أعلن أنه ستتم إعادة المستوطنين الذين أُخرِجوا من مبنيين في الخليل إليهما بعد فحص كافة إجراءات السيطرة على المبنيين، إلا أن نتنياهو امتنع في الوقت ذاته عن دعم موشيه يعالون علناً.
وبعد أن بيّن استطلاع للرأي العام بثت نتائجه القناة الثانية الإسرائيلية، السبت الماضي، أن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، يتفوّق على نتنياهو بفارق كبير، إذ قال 30 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إن ليبرمان هو الأنسب لمواجهة الانتفاضة، مقابل 11 في المائة اختاروا نتنياهو، سعى نتنياهو لاستعادة صورة "رجل الأمن"، مع تهديد أطلقه منسّق أعمال الحكومة الإسرائيلية، الجنرال يوآف مردخاي، في مقابلة صحافية، بأن الاحتلال سيغلق معابر غزة كلياً.
في غضون ذلك، اعتبر محللون عسكريون في إسرائيل أن عملية "بيت حورون" أمس الأول تشكّل تصعيداً جديداً في الانتفاضة الحالية، تمثَّل بالأساس في انتقال الفلسطينيين، إلى مهاجمة المستوطنين داخل المستوطنات وعدم الاكتفاء بمحاولات طعن الجنود أو المستوطنين عند مفترقات الطرق أو عند محطات انتظار الحافلات العامة، وهي العمليات التي ميّزت الشهرين الأخيرين، سوية مع محاولة تنفيذ عمليات دهس.
وفي هذا السياق، لفتت صحيفة "هآرتس"، إلى أن الانتفاضة الفلسطينية تأخذ منحى جديداً عبر ترك محاولات تنفيذ عمليات طعن جنود ومستوطنين في مفترقات الطرق الرئيسية، والانتقال إلى تنفيذ عمليات داخل المستوطنات نفسها، كما في عملية أمس الأول في "بيت حورون"، والعملية التي جرت في مستوطنة عتونيئيل، الأسبوع الماضي.
أما المراسل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، فاعتبر أن ما يحدث هو عملياً الانتقال لتقليد نمط العمليات الناجحة، معتبراً أن عملية "بيت حورون" سجّلت تصعيداً جديداً، تمثّل ليس فقط في التسلل إلى المستوطنة، عبر تسلّق سياجها الحدودي وتنفيذ عملية الطعن، وإنما أيضاً في محاولة استخدام عبوات ناسفة وزرعها في المستوطنة.
واستعرض يهوشواع التطوّر في نوعية العمليات الفردية، عندما انتقلت من عمليات طعن عادية، ثم تطوّرت إلى عمليات دهس، وصولاً في الأسبوع الأخير إلى عمليات تتم في عمق المستوطنات الإسرائيلية نفسها. ولفت يهوشواع إلى أنه إذا تم ربط محاولة منفذي عملية "بيت حورون" استخدام عبوات ناسفة، مع بيان سابق لجهاز "الشاباك" الإسرائيلي عن اعتقال شقيقتين توأمين من محافظة طولكرم لإعدادهما عبوات ناسفة، فهذا يعني أنه يجب الاستعداد لمواجهة عمليات يتم فيها استخدام الأسلحة والعبوات الناسفة.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يوصي بتعزيز هدم منازل الفلسطينيين في الداخل والقدس