09 نوفمبر 2024
نتنياهو لا يرى وجودا لـ "الزلزال"
بين وصف صحيفة هآرتس الإسرائيلية النتائج التي حققتها القائمة العربية المشتركة (أربعة أحزاب) في انتخابات 2 مارس/ آذار الجاري البرلمانية بأنها "زلزال"، ووصف رئيس الحكومة ورئيس تكتل الليكود، بنيامين نتنياهو، القائمة بأنها "خارج المعادلة".. بين هذا وذاك، تبدو الهوة واسعةً بين الاعتراف بالوقائع، كما لدى "هآرتس" التي توصف بأنها صحيفة ليبرالية مستقلة حزبياً، والسُّعار اليميني المتطرّف لدى نتنياهو الذي لا يرى وجودا يُذكر للعرب الفلسطينيين في وطنهم الذين لا وطن لهم سواه. وكانت الصحيفة قد عزت وصفها النتائج بالزلزال إلى ارتفاع نسبة المقترعين العرب إلى 65% من مجمل من يحقّ لهم التصويت (بلغت النسبة في انتخابات سبتمبر/ أيلول الماضي 59%)، وإلى إقبال يهودٍ على التصويت للقائمة المشتركة.
وكانت القائمة قد أحرزت 15 مقعدا، ما جعلها الكتلة البرلمانية الثالثة بعد "الليكود" (36 مقعدا) و"كاحول لفان"، أو أزرق ـ أبيض (33 مقعدا)، وتقدمت بذلك مقعدين عن آخر انتخابات، بينما حافظت بقية الأحزاب والكتل على نتائجها السابقة، أو تراجعت عنها. على أنه يسترعي الانتباه أنه مع ارتفاع نسبة الاقتراع بين العرب الفلسطينيين، إلا أن هذه النسبة تظل أقل من النسبة العامة للتصويت التي بلغت 71%. وهو ما يستحق أن يتم تفحّص أسبابه، ومن بين هذه الأسباب مقاطعة كل من الحركة الإسلامية ـ الشمالية، والحركة بحُكم المحظورة، وحركة أبناء البلد، انتخابات الكنيست، واكتفاؤهما بالتنافس على الانتخابات المحلية (البلديات أو المجالس المحلية)، علاوة على وجود شرائح اجتماعية غير مسيسة، تبدي موقفا سلبياً تجاه العمل العام.
وفي وسع المراقب ملاحظة أن كلا من الجمهور العربي وجمهور تكتل الليكود كانا الأكثر اندفاعا للمشاركة في هذه الانتخابات للكنيست 23. العرب الفلسطينيون الذين استشعروا خطورة خطة الرئيس الأميركي ترامب (صفقة القرن) عليهم، من حيث اشتمالها على نقل سكان من المثلث إلى مناطق السلطة الفلسطينية، مع احتفاظ إسرائيل بجزء من أراضيهم، كما يوضح خبير التخطيط، يوسف جبارين، إضافة إلى قانون القومية (يهودية الدولة) الذي تمّ سنّه في يوليو/ تموز
2018، ويستهدف أساسا ًالعرب الفلسطينيين: المسلمين والمسيحيين. أما تكتل الليكود فقد نشط زعيمه نتنياهو في حملته الانتخابية، لترويج "صفقة القرن" باعتبارها صفقة تاريخية. ومن أجل عودته إلى رئاسة الحكومة، بما يبعد عنه كأس المحاسبة على تهم بالفساد، وهو سيمثل يوم 17 مارس/ آذار الجاري أمام القضاء. وقد أشار نتنياهو إلى أن نحو ثلاثمائة ألف عضو ومناصر لليكود استنكفوا عن المشاركة في الانتخابات السابقة. ولهذا، يبدو الطرفان، العربي والليكودي، قطبي المواجهة السياسية في هذه المرحلة. ومن هنا، جاء وصف بعضهم القائمة المشتركة بأنها (ومع قدر من المبالغة!) باتت تمثل اليسار في إسرائيل، وذلك مع الانهيار في صفوف اليسار، وتراجع حظوظ اليسار التقليدي الصهيوني إلى سبعة مقاعد، حاز عليها تكتل العمل وميرتس وغيشر (الجسر). وهو بهذا وصفٌ إجرائي وتقريبي، يشير إلى معسكر المعارضة الرئيسي، وإن كان الوصف ينطوي على أسرلة الوجود الحزبي العربي، كما يلحظ الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت.
وفي ظل هذا الواقع، ينشط نتنياهو في شيطنة أي تعاون بين تكتل أزرق أبيض والقائمة العربية المشتركة، على أي مستوى كان، وخصوصا على صعيد الرفض المشترك لتسمية نتنياهو رئيسا مكلفا لحكومة جديدة. وحين يصف القائمة المشتركة بأنها "داعم للإرهاب وخارج المعادلة"، فذلك لأنه يدرك أنه، مهما أغمض عينيه، فإنه لا يملك إخراج 15 نائبا يمثلون العرب من الكنيست (بينهم يهودي، هو عوفر كسيف الذي يصف إسرائيل بأنها أسوأ من نظام الأبارتهايد الذي كان قائما في جنوب أفريقيا). وبينما كان يوجّه من قبل سهامه السامّة إلى اليسار (وفق التصنيفات الإسرائيلية)، قام نتنياهو، أخيرا، بتغيير وجهة الاستهداف إلى القائمة المشتركة، وإلى الجمهور العربي عامة. وذلك بعد اطمئنانه إلى انهيار اليسار والوسط، ومن أجل التماشي مع "متطلبات" المرحلة، وفي مقدمتها تطبيق "صفقة القرن" وتسويقها، وهي التي تمسّ، بصورة جوهرية، بالحقوق الفلسطينية، بما في ذلك حقوق العرب الفلسطينيين في إسرائيل (نحو مليون ونصف المليون نسمة مع استبعاد أبناء القدس والجولان).
ولا يعني ما تقدّم أن نتنياهو وتكتل الليكود هم الطرف الوحيد الممثل للاتجاهات اليمينية والعنصرية، ولكن الرجل يلعب ويطمح أن يلعب المزيد من دور رأس الحربة في المجتمع الإسرائيلي، من أجل تصفية الحقوق الفلسطينية وتكريس يهودية الدولة على حساب مواطنيها غير اليهود، فالتكتل المنافس أزرق أبيض الذي يضم جنرالات متقاعدين، بزعامة بيني غانتس، يؤيد صفقة القرن، لكنه يُؤثر أن يتم ذلك بالتفاوض والتوافق مع الفلسطينيين، ومن خلال تعزيز العلاقة الإسرائيلية مع كل من الأردن ومصر (نتنياهو صرح أخيرا بأنه لا يعنيه لو ألغى الأردن اتفاقية السلام مع إسرائيل). هذا إضافة إلى بقية منوعات الأحزاب الدينية واليمينية التي تتسيّد المشهد، والتي ازدهرت مع تراجع فرص الحلول السلمية، ومع صعود الرؤية الدينية الأميركية لحل
الصراع، بما يستجيب للمطامع الصهيونية، ومع استشراء موجة الشعبوية الغرائزية في غير مكان، وبما يشمل أميركا وروسيا وأنحاء واسعة من أوروبا، ومع موجة التطبيع العربي مع دولة الاحتلال، واستمرار الانقسام الفلسطيني ووجود سلطة لحركة حماس في غزة تنازع السلطة الفلسطينية في رام الله على التمثيل. وقد ارتد ذلك كله إيجابا على المجتمع الإسرائيلي المهيأ أيديولوجيا للجنوح نحو مزيد من العنصرية، وتزيين سرقة أرض الغير وحقوقهم على أنها قيم وطنية.
يبقى بعدئذ أن النجاح الانتخابي للقائمة العربية المشتركة يلقي على هذه القائمة وأحزابها مسؤولية كبيرة في التحوّل إلى قوة سياسية ناشطة داخل الكنيست وخارجه، وبالذات خارجه، وذلك للتحول إلى قوة سياسية تمزج بين الحقوق المدنية (حقوق المواطنة في المساواة والعدالة الاجتماعية)، وتجذب لها أنصارا على هذا الصعيد من المجتمع الإسرائيلي الواسع، وبلورة الهوية القومية العربية والفلسطينية لعرب الداخل، أساسا للتعايش، ومنطلقا للوصول إلى حل عادل لقضية الصراع، بما يتجاوز "صفقة القرن"، واعتبارها وصفة لإدامة الصراع، والإبقاء على عناصره التفجيرية وتهديد قضية السلام.
وفي وسع المراقب ملاحظة أن كلا من الجمهور العربي وجمهور تكتل الليكود كانا الأكثر اندفاعا للمشاركة في هذه الانتخابات للكنيست 23. العرب الفلسطينيون الذين استشعروا خطورة خطة الرئيس الأميركي ترامب (صفقة القرن) عليهم، من حيث اشتمالها على نقل سكان من المثلث إلى مناطق السلطة الفلسطينية، مع احتفاظ إسرائيل بجزء من أراضيهم، كما يوضح خبير التخطيط، يوسف جبارين، إضافة إلى قانون القومية (يهودية الدولة) الذي تمّ سنّه في يوليو/ تموز
وفي ظل هذا الواقع، ينشط نتنياهو في شيطنة أي تعاون بين تكتل أزرق أبيض والقائمة العربية المشتركة، على أي مستوى كان، وخصوصا على صعيد الرفض المشترك لتسمية نتنياهو رئيسا مكلفا لحكومة جديدة. وحين يصف القائمة المشتركة بأنها "داعم للإرهاب وخارج المعادلة"، فذلك لأنه يدرك أنه، مهما أغمض عينيه، فإنه لا يملك إخراج 15 نائبا يمثلون العرب من الكنيست (بينهم يهودي، هو عوفر كسيف الذي يصف إسرائيل بأنها أسوأ من نظام الأبارتهايد الذي كان قائما في جنوب أفريقيا). وبينما كان يوجّه من قبل سهامه السامّة إلى اليسار (وفق التصنيفات الإسرائيلية)، قام نتنياهو، أخيرا، بتغيير وجهة الاستهداف إلى القائمة المشتركة، وإلى الجمهور العربي عامة. وذلك بعد اطمئنانه إلى انهيار اليسار والوسط، ومن أجل التماشي مع "متطلبات" المرحلة، وفي مقدمتها تطبيق "صفقة القرن" وتسويقها، وهي التي تمسّ، بصورة جوهرية، بالحقوق الفلسطينية، بما في ذلك حقوق العرب الفلسطينيين في إسرائيل (نحو مليون ونصف المليون نسمة مع استبعاد أبناء القدس والجولان).
ولا يعني ما تقدّم أن نتنياهو وتكتل الليكود هم الطرف الوحيد الممثل للاتجاهات اليمينية والعنصرية، ولكن الرجل يلعب ويطمح أن يلعب المزيد من دور رأس الحربة في المجتمع الإسرائيلي، من أجل تصفية الحقوق الفلسطينية وتكريس يهودية الدولة على حساب مواطنيها غير اليهود، فالتكتل المنافس أزرق أبيض الذي يضم جنرالات متقاعدين، بزعامة بيني غانتس، يؤيد صفقة القرن، لكنه يُؤثر أن يتم ذلك بالتفاوض والتوافق مع الفلسطينيين، ومن خلال تعزيز العلاقة الإسرائيلية مع كل من الأردن ومصر (نتنياهو صرح أخيرا بأنه لا يعنيه لو ألغى الأردن اتفاقية السلام مع إسرائيل). هذا إضافة إلى بقية منوعات الأحزاب الدينية واليمينية التي تتسيّد المشهد، والتي ازدهرت مع تراجع فرص الحلول السلمية، ومع صعود الرؤية الدينية الأميركية لحل
يبقى بعدئذ أن النجاح الانتخابي للقائمة العربية المشتركة يلقي على هذه القائمة وأحزابها مسؤولية كبيرة في التحوّل إلى قوة سياسية ناشطة داخل الكنيست وخارجه، وبالذات خارجه، وذلك للتحول إلى قوة سياسية تمزج بين الحقوق المدنية (حقوق المواطنة في المساواة والعدالة الاجتماعية)، وتجذب لها أنصارا على هذا الصعيد من المجتمع الإسرائيلي الواسع، وبلورة الهوية القومية العربية والفلسطينية لعرب الداخل، أساسا للتعايش، ومنطلقا للوصول إلى حل عادل لقضية الصراع، بما يتجاوز "صفقة القرن"، واعتبارها وصفة لإدامة الصراع، والإبقاء على عناصره التفجيرية وتهديد قضية السلام.