04 ابريل 2016
من يملك القرار الحكومي في المغرب؟
خلّف التدخل الأمني الحاد الذي تعرّض له الأساتذة المتدربون في المغرب، وسالت فيه دماء "الجسم التعليمي" الشاب، تداعيات كثيرة، منها، إضافة إلى شعور رجال التعليم عامة في البلاد بامتهان الكرامة، وتمريغها في الشارع العام أمام أعين المواطنين، طرح سؤال، جديد قديم، حول من يملك سلطة القرار الحكومي في المغرب، هل الحكومة نفسها ورئيسها، أم أن القرار يوجد في جهة أخرى، وبالتالي، لا تعدو الحكومات المتعاقبة إلا زينة لـ "المسلسل الديمقراطي".
حاول رئيس الحكومة الحالية، عبدالإله بنكيران، أن يؤكد أكثر من مرة أن القرار يوجد بين يديه "دستورياً"، وأنه، طبقاً لمقتضيات الدستور، السلطات الموكولة إليه عليها أن لا تتعارض مطلقاً مع طبيعة الحكم الملكي في البلاد.
إلى هنا، يسيّر رئيس الحكومة ذات التلوين الإسلامي على النهج الدستوري القويم. لكن، من حيث يعلم أو لا يعلم، لم يأت بجديد في هذا الباب، وهو يقتفي خطى سابقيه من الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد، في إطار ما يعرف بـ "العهد الجديد".
يجب أن لا تنسى أن بنكيران أخضع نفسه لمراجعات كبيرة، فهو الإسلامي السابق القادم من "الشبيبة الإسلامية" ذات الخيار العنفي، والذائب في حركة الراحل عبد الكريم الخطيب، أحد الوجوه التي لعبت دوراً أساسياً في مغرب الاستقلال وما بعده، وظلت صلة الوصل بين القصر والمجتمع السياسي والمدني بتلاوينه.
وهو الذي انتقل من الحركة إلى الحزب، ومن المجال الدعوي إلى المجال السياسي، عندما اختار العمل ضمن إطار "العدالة والتنمية"، كما أنه تحوّل من خصم شرس للديمقراطيين المغاربة إلى حاكم بواسطة "اللعبة الديمقراطية" نفسها عبر صناديق الاقتراع، في هبة ما بعد الربيع العربي التي جاءت به إلى الحكومة، بلا سوابق في تسيير الشأن العام الحكومي، وبتجربة صفر في الإدارة، وبتعويل على "النظافة السياسية" و"نظافة اليد" لفريقه المشارك في الحكومة.
لكن هذا الرأسمال الرمزي ظلت تعوزه دائماً الخبرة والتراكمية في التعاطي مع الملفات، فانتظارات الشارع المغربي كبيرة، والقنبلة التي تواجه السلم الاجتماعي هي بطالة الجامعيين، والتوظيف ضمن سلك الوظيفة العمومية، فالأمر يرتبط بثقافة سياسية لدى المواطن المغربي، يرى في الحكومة، ممثلة للدولة، ومسؤولة عن حياته ومماته، شغله وبطالته، رفاهه أو شظف عيشه، دنياه وآخرته.
هكذا لم يستسغ بنكيران، أبداً، أن يتحرك الشارع ضده، هو الذي يعتبر نفسه ثمرة لحركة هذا الشارع. ولذلك، لما بدأت قطاعات كثيرة تتحرك، وتعبر عن مطالبها، وتخرج للشارع للتظاهر، هاله الأمر. ولم يجد من تفسير سوى أن الشارع سقط في لعبة الاستقطاب السياسي، وأن أطرافاً معينة لها مصالح وارتباطات تهدف إلى نسف تجربة "العدالة والتنمية" في الحكم، ومن بين هؤلاء القوّة الإسلامية المنظمة جداً "جماعة العدل والإحسان".
ذهبت جماعة عبد السلام ياسين بعيداً، ولم تقف عند حدود دعم حركات الشارع المغربي في الأشهر الماضية، بدءاً من حركة الأطباء الشباب، ومروراً بمسيرات الشموع الليلية في طنجة وتطوان ضد غلاء الكهرباء، وصولاً إلى حركة الأساتذة المتدربين، أخيراً، بل أنها صاغت خطاباً مباشراً يذهب في اتجاه التشكيك في قدرة بنكيران، وحكومته، على إدارة المرحلة، حتى أنها اعتبرته مجرد زينة في الحفلة فقط، جيء به لمرحلة معلومة، قبل أن يجري تفريغه من محتواه ومصداقيته لدى الشارع المغربي، ورميه كما رُمي غيره.
غير أن بنكيران لا تزال لديه القناعة نفسها، وهو الدفع في اتجاه الاستقرار وصيانة "الاستثناء" المغربي في محيط إقليمي صعب، ومهما كانت الفاتورة التي قد يدفعها حزبه، وأقصاها تأثير خياراته الحادة في المجال الاجتماعي على شعبية الحزب في الانتخابات التشريعية التي تجري أواخر العام الجاري، فإنه مستعد لدفع الثمن كـ "واجب وطني"، من دون أن يشغل نفسه كثيراً بما ينجم من تناقضات عن سؤال عسير من قبيل: من يملك القرار الحكومي في المغرب؟ لكنه يخسر في العمق بهروبه إلى الصمت و"إنكار الواقع".
لقد تنبه لذلك الدكتور سعد الدين العثماني، الرجل الثاني في الحزب، بحس المعالج النفساني.
حاول رئيس الحكومة الحالية، عبدالإله بنكيران، أن يؤكد أكثر من مرة أن القرار يوجد بين يديه "دستورياً"، وأنه، طبقاً لمقتضيات الدستور، السلطات الموكولة إليه عليها أن لا تتعارض مطلقاً مع طبيعة الحكم الملكي في البلاد.
إلى هنا، يسيّر رئيس الحكومة ذات التلوين الإسلامي على النهج الدستوري القويم. لكن، من حيث يعلم أو لا يعلم، لم يأت بجديد في هذا الباب، وهو يقتفي خطى سابقيه من الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد، في إطار ما يعرف بـ "العهد الجديد".
يجب أن لا تنسى أن بنكيران أخضع نفسه لمراجعات كبيرة، فهو الإسلامي السابق القادم من "الشبيبة الإسلامية" ذات الخيار العنفي، والذائب في حركة الراحل عبد الكريم الخطيب، أحد الوجوه التي لعبت دوراً أساسياً في مغرب الاستقلال وما بعده، وظلت صلة الوصل بين القصر والمجتمع السياسي والمدني بتلاوينه.
وهو الذي انتقل من الحركة إلى الحزب، ومن المجال الدعوي إلى المجال السياسي، عندما اختار العمل ضمن إطار "العدالة والتنمية"، كما أنه تحوّل من خصم شرس للديمقراطيين المغاربة إلى حاكم بواسطة "اللعبة الديمقراطية" نفسها عبر صناديق الاقتراع، في هبة ما بعد الربيع العربي التي جاءت به إلى الحكومة، بلا سوابق في تسيير الشأن العام الحكومي، وبتجربة صفر في الإدارة، وبتعويل على "النظافة السياسية" و"نظافة اليد" لفريقه المشارك في الحكومة.
لكن هذا الرأسمال الرمزي ظلت تعوزه دائماً الخبرة والتراكمية في التعاطي مع الملفات، فانتظارات الشارع المغربي كبيرة، والقنبلة التي تواجه السلم الاجتماعي هي بطالة الجامعيين، والتوظيف ضمن سلك الوظيفة العمومية، فالأمر يرتبط بثقافة سياسية لدى المواطن المغربي، يرى في الحكومة، ممثلة للدولة، ومسؤولة عن حياته ومماته، شغله وبطالته، رفاهه أو شظف عيشه، دنياه وآخرته.
هكذا لم يستسغ بنكيران، أبداً، أن يتحرك الشارع ضده، هو الذي يعتبر نفسه ثمرة لحركة هذا الشارع. ولذلك، لما بدأت قطاعات كثيرة تتحرك، وتعبر عن مطالبها، وتخرج للشارع للتظاهر، هاله الأمر. ولم يجد من تفسير سوى أن الشارع سقط في لعبة الاستقطاب السياسي، وأن أطرافاً معينة لها مصالح وارتباطات تهدف إلى نسف تجربة "العدالة والتنمية" في الحكم، ومن بين هؤلاء القوّة الإسلامية المنظمة جداً "جماعة العدل والإحسان".
ذهبت جماعة عبد السلام ياسين بعيداً، ولم تقف عند حدود دعم حركات الشارع المغربي في الأشهر الماضية، بدءاً من حركة الأطباء الشباب، ومروراً بمسيرات الشموع الليلية في طنجة وتطوان ضد غلاء الكهرباء، وصولاً إلى حركة الأساتذة المتدربين، أخيراً، بل أنها صاغت خطاباً مباشراً يذهب في اتجاه التشكيك في قدرة بنكيران، وحكومته، على إدارة المرحلة، حتى أنها اعتبرته مجرد زينة في الحفلة فقط، جيء به لمرحلة معلومة، قبل أن يجري تفريغه من محتواه ومصداقيته لدى الشارع المغربي، ورميه كما رُمي غيره.
غير أن بنكيران لا تزال لديه القناعة نفسها، وهو الدفع في اتجاه الاستقرار وصيانة "الاستثناء" المغربي في محيط إقليمي صعب، ومهما كانت الفاتورة التي قد يدفعها حزبه، وأقصاها تأثير خياراته الحادة في المجال الاجتماعي على شعبية الحزب في الانتخابات التشريعية التي تجري أواخر العام الجاري، فإنه مستعد لدفع الثمن كـ "واجب وطني"، من دون أن يشغل نفسه كثيراً بما ينجم من تناقضات عن سؤال عسير من قبيل: من يملك القرار الحكومي في المغرب؟ لكنه يخسر في العمق بهروبه إلى الصمت و"إنكار الواقع".
لقد تنبه لذلك الدكتور سعد الدين العثماني، الرجل الثاني في الحزب، بحس المعالج النفساني.