09 نوفمبر 2024
من القدس إلى غزة إلى "الحل الإقليمي"
تنشغل بعض الصحافة الإسرائيلية بالتطورات الراهنة والمرتقبة في قطاع غزة، باعتباره منفصلا عن الدولة العبرية، على الرغم من الحصار الذي يتعرّض له برا وبحرا وجوا من الاحتلال منذ العام 2005، تاريخ الانسحاب من هذا الجزء من أرض فلسطين. وليس سرا أن الاحتلال يطمح إلى حرف أنظار الفلسطينيين، وجعلها تتجه نحو القطاع حصرا بأمل أن يجد الفلسطينيون بعض الإشباع الكياني، بنشوء كيان سياسي لهم هناك، يمثل، بصورة أو بأخرى، "الدولة الفلسطينية"، وهو المطلب الذي ما انفكّت الأدبيات الفلسطينية تركز عليه منذ عقود، وتمنحه الأولوية، بدلاً من التركيز أولاً على وجوب إنهاء الاحتلال العسكري والاستيطاني القائم منذ 1967، وكما تقضي بذلك الشرعية الدولية.
في هذا السياق، تركّز أوساط إعلامية إسرائيلية على الخلافات بين حركة فتح والرئيس محمود عباس من جهة وحركة حماس ومحمد دحلان من جهة ثانية، مع إشارات متوالية بأن الانقسام الفلسطيني في سبيله إلى التعمق والتحوّل إلى حقيقة واقعة، علماً أن استمرار احتلال الضفة الغربية، وإغلاق الاحتلال بوابات الاتصال والتواصل بين الضفة والقطاع، هو الذي يكرّس، في المقام الأول، الانفصال، ولم تتوان سلطات الاحتلال في مراتٍ عديدة عن نفي ناشطين فلسطينيين إلى قطاع غزة، ومنع عودتهم إلى بيوتهم في الضفة الغربية، لتكريس الانطباع بأن قطاع غزة هو كيان الفلسطينيين، أما الضفة الغربية التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة من أبنائها، وتقوم فيها السلطة الوطنية، المعترف بها دوليا على أوسع نطاق ممثلاً لـ "دولة فلسطين"، فإنها، في عُرف حكومة الاستيطان، أرضٌ مباحة لاستيطان يهودٍ وافدين من دول شتى، فيما يحتسبون القدس العربية الفلسطينية المحتلة منذ 1967 عاصمة لدولة إسرائيل، بدلالة الانتشار الكثيف الدائم لجنود الاحتلال، وتطويق المدينة بمستوطناتٍ كبيرةٍ، نشأت تحت سطوة السلاح، ووفق "الحق" الذي تمنحه سلطات الاحتلال بسرقة أراضي الفلسطينيين كلما عنّ لها ذلك... فاللصوصية في وضح النهار هي، في العُرف الصهيوني، سلوك وطني، يستحق معه اللصوص الزهو بهم ودعمهم، وعلى مرأى ومسمع من أصحاب الأرض، ومن العالم أجمع.
وبينما كانت صحف إسرائيلية تكتب هذا الأسبوع عن إضعافٍ لنفوذ عباس في غزة ورام الله،
كان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يزور في الأثناء (الخميس 29 يونيو/ حزيران الجاري) مستوطنة بيت إيل في مدخل مدينة رام الله المقامة على أراض فلسطينية، وعلى مبعدة بضعة كيلومترات من مقر السلطة الفلسطينية. ولم يتورّع نتنياهو عن الادّعاء بصفاقة، مثل أي مستوطن مسعور، بأن بيت إيل "ستبقى جزءاً من أرض إسرائيل". وليس غريبا، بطبيعة الحال، أن يعمد لصوصٌ إلى التمسّك بمسروقاتٍ استولوا عليها، حين لا يُساق هؤلاء إلى العدالة.
وليس بعيدا عن رام الله سوى بـ 15 كيلومترا، تواظب سلطات الاحتلال، بصورةٍ شبه يومية، على مواكبة عتاة المستوطنين المستطرفين في استباحة المسجد الأقصى، ومنع مقدسيين، بمن فيهم نساء، بالقوة وبإطلاق الغاز من أداء الصلاة في المسجد، والقيام بتصرفاتٍ مشينة، مثل تدنيس القران الكريم بعد نزعه من أيدي نساء. وخلافا لما تروّجه أوساط إسرائيلية، فإن مصير القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع والسلام يتقرّر أولا في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقبل قطاع غزة أو بعده.. لا فرق.
المكانة الروحية للقدس لدى المسلمين والمسيحيين، والاعتزاز الوطني العميق ببيت المقدس الذي يشمل البُعد الديني ويتعدّاه، هو ما يربط الفلسطينيين بمدينتهم من جيلٍ إلى جيل، وعبر قرون. وبدون ضمان حق الفلسطينيين بمدينتهم، وبعموم الضفة الغربية، ومعالجة قضية اللاجئين والحدود وفق الشرعية الدولية، لن يضع الصراع نهاية له، مهما حاول المحتلون صرف النظر عمّا يجري، ودفع الاهتمام نحو قطاع غزة فقط، ومهما اندفع نتنياهو في تشريع سرقة أراضي الآخرين، ومباركة أعمال اللصوصية التي لا يقع مثيل لها في دول العالم.
أما عن عباس ومحاولات إضعافه، فإن المتسبب في ذلك هو التراخي في مواجهة الحالة الاحتلالية، والانفصال عن المظاهر الاحتجاجية المناهضة للاحتلال، وكذلك القيود التي يضعها الاحتلال على مزاولة السلطة ولايتها على الأرض والسكان، بما في ذلك المناطق المصنفة أ، حيث لا يتوانى الاحتلال عن استباحة أية مدينة أو بلدة في الضفة الغربية، ويرفض زيادة قدرات الشرطة الفلسطينية التي تشكو من نقصٍ شديد في الكادر البشري، يبلغ نحو 13 ألف شرطي، يحتاجهم سلك الشرطة حدا أدنى، لممارسة المهام الشرطية المعهودة في دول العالم. وفي السياق نفسه، يعتقل الاحتلال 12 نائبا في المجلس التشريعي (من ضمن أكثر من ستة آلاف أسير)، ممارساً بذلك حصته في جعل السلطة بغير ذراعٍ تشريعية، ما يشكل نقصاً مؤسساتياً فادحاً، يُضاف إلى الانتقاص من ولاية السلطة على الأرض والمواطنين، فيما تُطبق قوات الاحتلال على الحدود والطرق ومداخل المدن. ولا يتورّع نتنياهو، وغيره من ساسة اليمين الأشد تطرفاً، عن اعتبار هذه السلوكيات العنصرية المشينة بأنها لا تعرقل السعي نحو السلام، ولا تحرم الرازحين تحت الاحتلال من حقوقهم!
في اتجاه بارز، يمثل اتجاهات التفكير الإسرائيلية، يقول باحث إسرائيلي في مركز بيغن ـ
السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، هو مودخاي كيدار إنه "يجب الاعتراف بقطاع غزة على أنه دولة، لأن هذا هو الوضع القائم فيه منذ عشر سنين، ولدى الفلسطينيين هناك كامل مقومات الدولة، وفي الوقت ذاته، يجب تفكيك السلطة الفلسطينية على أسس عائلية عشائرية". وفي واقع الحال، تصبّ ممارسات الاحتلال في هذا الاتجاه، منح قطاع غزة صفة دولة بعد تجريدها من السلاح، مقابل إضعاف السلطة الفلسطينية وإطفاء القيادات الوطنية السياسية، وتفكيكها عبر إنشاء زعاماتٍ عشائريةٍ وعائليةٍ، وهي الوصفة التي اتّبعها الاحتلال في سبعينيات القرن الماضي.
ولا يبتعد هذا التوجه عن المسعى الإسرائيلي المحموم من أجل ما يسمّى حلا إقليميا متعدّد الأطراف، يجري التحضير له لعرضه قريباً على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يتم من خلاله اقتطاع جزء كبير من الضفة الغربية لصالح الاحتلال الذي تبقى القدس العربية عاصمة له، مع "كيان فلسطيني مزدهر"، يرتبط باتحاد كونفدرالي مع الأردن ومصر، وتجنيس الفلسطينيين في الدول العربية، وضمان بقاء الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية. وهو ما كشف عنه أوفر إسرائيلي، وهو خبير في الشؤون الجيوسياسية في مركز هرتسيليا للدراسات، في صحيفة جيروزلم بوست، وتحت عنوان "مبادرة السلام الإسرائيلية" (ردا على المبادرة العربية: سلام شامل مقابل انسحاب كامل). وهو ما يفسّر الهجمة الاستيطانية المتصاعدة، والمواظبة على استباحة الأماكن المقدسة في القدس. علما أن مبادرة السلام المزعومة لا تجد لها سنداً أو مرجعاً في قرارات الشرعية الدولية، ولا في أحكام القانون الدولي.
في هذا السياق، تركّز أوساط إعلامية إسرائيلية على الخلافات بين حركة فتح والرئيس محمود عباس من جهة وحركة حماس ومحمد دحلان من جهة ثانية، مع إشارات متوالية بأن الانقسام الفلسطيني في سبيله إلى التعمق والتحوّل إلى حقيقة واقعة، علماً أن استمرار احتلال الضفة الغربية، وإغلاق الاحتلال بوابات الاتصال والتواصل بين الضفة والقطاع، هو الذي يكرّس، في المقام الأول، الانفصال، ولم تتوان سلطات الاحتلال في مراتٍ عديدة عن نفي ناشطين فلسطينيين إلى قطاع غزة، ومنع عودتهم إلى بيوتهم في الضفة الغربية، لتكريس الانطباع بأن قطاع غزة هو كيان الفلسطينيين، أما الضفة الغربية التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة من أبنائها، وتقوم فيها السلطة الوطنية، المعترف بها دوليا على أوسع نطاق ممثلاً لـ "دولة فلسطين"، فإنها، في عُرف حكومة الاستيطان، أرضٌ مباحة لاستيطان يهودٍ وافدين من دول شتى، فيما يحتسبون القدس العربية الفلسطينية المحتلة منذ 1967 عاصمة لدولة إسرائيل، بدلالة الانتشار الكثيف الدائم لجنود الاحتلال، وتطويق المدينة بمستوطناتٍ كبيرةٍ، نشأت تحت سطوة السلاح، ووفق "الحق" الذي تمنحه سلطات الاحتلال بسرقة أراضي الفلسطينيين كلما عنّ لها ذلك... فاللصوصية في وضح النهار هي، في العُرف الصهيوني، سلوك وطني، يستحق معه اللصوص الزهو بهم ودعمهم، وعلى مرأى ومسمع من أصحاب الأرض، ومن العالم أجمع.
وبينما كانت صحف إسرائيلية تكتب هذا الأسبوع عن إضعافٍ لنفوذ عباس في غزة ورام الله،
وليس بعيدا عن رام الله سوى بـ 15 كيلومترا، تواظب سلطات الاحتلال، بصورةٍ شبه يومية، على مواكبة عتاة المستوطنين المستطرفين في استباحة المسجد الأقصى، ومنع مقدسيين، بمن فيهم نساء، بالقوة وبإطلاق الغاز من أداء الصلاة في المسجد، والقيام بتصرفاتٍ مشينة، مثل تدنيس القران الكريم بعد نزعه من أيدي نساء. وخلافا لما تروّجه أوساط إسرائيلية، فإن مصير القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع والسلام يتقرّر أولا في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقبل قطاع غزة أو بعده.. لا فرق.
المكانة الروحية للقدس لدى المسلمين والمسيحيين، والاعتزاز الوطني العميق ببيت المقدس الذي يشمل البُعد الديني ويتعدّاه، هو ما يربط الفلسطينيين بمدينتهم من جيلٍ إلى جيل، وعبر قرون. وبدون ضمان حق الفلسطينيين بمدينتهم، وبعموم الضفة الغربية، ومعالجة قضية اللاجئين والحدود وفق الشرعية الدولية، لن يضع الصراع نهاية له، مهما حاول المحتلون صرف النظر عمّا يجري، ودفع الاهتمام نحو قطاع غزة فقط، ومهما اندفع نتنياهو في تشريع سرقة أراضي الآخرين، ومباركة أعمال اللصوصية التي لا يقع مثيل لها في دول العالم.
أما عن عباس ومحاولات إضعافه، فإن المتسبب في ذلك هو التراخي في مواجهة الحالة الاحتلالية، والانفصال عن المظاهر الاحتجاجية المناهضة للاحتلال، وكذلك القيود التي يضعها الاحتلال على مزاولة السلطة ولايتها على الأرض والسكان، بما في ذلك المناطق المصنفة أ، حيث لا يتوانى الاحتلال عن استباحة أية مدينة أو بلدة في الضفة الغربية، ويرفض زيادة قدرات الشرطة الفلسطينية التي تشكو من نقصٍ شديد في الكادر البشري، يبلغ نحو 13 ألف شرطي، يحتاجهم سلك الشرطة حدا أدنى، لممارسة المهام الشرطية المعهودة في دول العالم. وفي السياق نفسه، يعتقل الاحتلال 12 نائبا في المجلس التشريعي (من ضمن أكثر من ستة آلاف أسير)، ممارساً بذلك حصته في جعل السلطة بغير ذراعٍ تشريعية، ما يشكل نقصاً مؤسساتياً فادحاً، يُضاف إلى الانتقاص من ولاية السلطة على الأرض والمواطنين، فيما تُطبق قوات الاحتلال على الحدود والطرق ومداخل المدن. ولا يتورّع نتنياهو، وغيره من ساسة اليمين الأشد تطرفاً، عن اعتبار هذه السلوكيات العنصرية المشينة بأنها لا تعرقل السعي نحو السلام، ولا تحرم الرازحين تحت الاحتلال من حقوقهم!
في اتجاه بارز، يمثل اتجاهات التفكير الإسرائيلية، يقول باحث إسرائيلي في مركز بيغن ـ
ولا يبتعد هذا التوجه عن المسعى الإسرائيلي المحموم من أجل ما يسمّى حلا إقليميا متعدّد الأطراف، يجري التحضير له لعرضه قريباً على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يتم من خلاله اقتطاع جزء كبير من الضفة الغربية لصالح الاحتلال الذي تبقى القدس العربية عاصمة له، مع "كيان فلسطيني مزدهر"، يرتبط باتحاد كونفدرالي مع الأردن ومصر، وتجنيس الفلسطينيين في الدول العربية، وضمان بقاء الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية. وهو ما كشف عنه أوفر إسرائيلي، وهو خبير في الشؤون الجيوسياسية في مركز هرتسيليا للدراسات، في صحيفة جيروزلم بوست، وتحت عنوان "مبادرة السلام الإسرائيلية" (ردا على المبادرة العربية: سلام شامل مقابل انسحاب كامل). وهو ما يفسّر الهجمة الاستيطانية المتصاعدة، والمواظبة على استباحة الأماكن المقدسة في القدس. علما أن مبادرة السلام المزعومة لا تجد لها سنداً أو مرجعاً في قرارات الشرعية الدولية، ولا في أحكام القانون الدولي.