ويتكرّر مشهد غياب الشباب عن المشاركة في الانتخابات الأخيرة، للمرة الثالثة على التوالي، والتي بدأت مع الانتخابات الرئاسية المصرية، التي ترشح فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مواجهة منافسه حمدين صباحي في عام 2014، وتكرّر ثانية في الاستفتاء على الدستور المصري للعام نفسه.
ويقول أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، محمود خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يُمكن الحديث عن عزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية المصرية واستحقاقاتها، من دون الحديث عن خصوصية مواقع التواصل الاجتماعي. وهي وسائل تواصل أغلب روادها من الشباب، الذي يجيد التواصل إلى الحدّ الذي تنتقل فيه الأفكار بين أفراد هذه الفئة بما يشبه العدوى". ويضيف خليل، أن "تلك المواقع تمنح هذا الجيل من الشباب، مساحة واسعة للتعبير عن أفكاره، التي يتصورّون طوال الوقت أنها مُقصاة ومستبعدة".
ويتابع قائلاً إن "الإعلام التقليدي، أو السائد، اجتهد خلال الأشهر الماضية في تقديم رؤية أحادية لما يحدث في مصر، ولم يعد هناك طرح لتباين الآراء، التي اعتاد عليها الشباب في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بل تطوّر الأمر إلى حدّ تبنّي الإعلام السائد، سواء الحكومي أو الخاص، الخطاب الرسمي في الدولة، وهو خطاب لا يبالي بالشباب". ويرى خليل أن "هذا الخطاب للدولة أدّى إلى إنتاج خطاب مغلق داخل شبكات مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب، حيث تدور أحلامهم وأفكارهم وتحليلاتهم وتفسيراتهم، بل ومواقفهم السياسية".
لم يلقِ خليل اللوم على الشباب، الذي تمسك بمساحاته الإلكترونية المغلقة، ولا على الإعلام السائد المتمسك بالخطاب الرسمي في الدولة، ولكنه لام بـ"ضمير مرتاح" على حدّ قوله، ما وصفه بـ"العقل الجاهل الخفي في الدولة الذي يدير العلاقة بين الشباب والمجتمع".
اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": بصمة السيسي وراء عزوف المصريين عن التصويت
ويوضح مفهوم "العقل الجاهل الخفي"، قائلاً "نتيجة للتكنولوجيا الحديثة والتطور الهائل في التواصل على شبكة الإنترنت، أسقط الشباب فكرة الخضوع الأبوي من مفاهيمه، وأصبح جيلاً رافضا للإملاءات الفوقية، سواء سلطة الأبوين أو المعلمين، أو الرموز الدينية في المجتمع، وصولاً إلى رموز السلطة السياسية. في المقابل، وعلى الجانب الآخر، أصبح العقل الجاهل الخفي يتعامل مع الشباب، باعتباره قليل الأدب ولا يسمع الكلام".
ويشير إلى أن "السلطة التي تعبّر عن الكبار في المجتمع ما زالت تريد الاحتكام لمنصة السلطة الأبوية، وهذا يخلق فجوة بين الأجيال، إذا انكفأ جيل الشباب على نفسه، وأصبح يحتكم لدوائره الخاصة، سواء كان على صوابٍ أو خطأ".
ويلفت خليل، إلى أن "كل ما يخشاه هو أن تصل الحالة في سوء الفهم بين الشباب والسلطة الحاكمة في مصر لحالة عداء"، معتبراً أن "السلطة لا تعالج أزمتها مع الشباب بحكمة الكبار، بل برعونة الصغار، وتنتهي بوصفهم بجيلٍ خائب".
ويضيف بأنه "وصل الأمر لاتهام ملايين الشباب في مصر، بالعمالة والخيانة والتآمر على البلاد، بسبب عدم مشاركتهم في الانتخابات، من دون أن يدرك أحد أن لثورة 25 يناير، طريقاً واحداً وهو شعار الثورة: عيش حرية عدالة اجتماعية".
ويحذّر خليل السلطة المصرية والقائمين عليها، من عدم احتواء جيل الشباب، قائلاً إنه "إذا لم نحتوِ هذا الجيل، فسنفقد السيطرة عليه ولن يبقي ولن يذر، فالشباب داخل دائرة إحباط كاملة، نتائجها غير متوقعة". ويعتبر أن "السلطة في مصر تملك حق الاختيار، إما الطريق إلى يناير، وتنتهي كما انتهى نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، أو أن تختار الثورة فتضمن مستقبلها، خصوصاً أن الشباب شعر بعد 30 يونيو/حزيران 2013، أن ثورة يناير تُنهش وتُكال لها الاتهامات، ويُعتبر ثوارها خونة ومتآمرين".
وقد خرجت تصريحات عدة خلال الأيام الأخيرة، تهاجم الشباب بسبب عدم مشاركتهم في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية. وذكرت عزة هيكل، مستشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في رسالتها للشباب المقاطع "العيب مش عليك.. العيب على والدتك".
كما حضّ مساعد وزير الداخلية السابق، مجدي البسيوني، في رسالته للشباب "رد الجميل للرئيس السيسي، الذي لطالما اهتم بالشباب واتصور معهم سيلفي". ويضيف البسيوني: "عندما ألاقي ولي الأمر مهتم بيا مش أردله اهتمامه بيا، الرئيس في أي لقاء بيقف مع الشباب وبيلف معاهم بالعجل وياما اتصور صور معاهم سيلفي. يا شباب شيل اللحاف وانزل واشترك وشارك وإدي صوتك واختار براحتك، عيب أوي ده أنت قاعد طول الليل تقلب في الدش ولو حد ندهلك هاتنزل على الكوفي شوب تشرب حجر تفاح ولا سلوم. عيب انزل".
يذكر أن نسب المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات عقب ثورة يناير، تتمثل في مشاركة 42 في المائة من الناخبين في استفتاء مارس/آذار 2011، و62.1 في المائة في انتخابات مجلس الشعب لعام 2011، و15.3 في المائة في انتخابات مجلس الشورى 2011، و46.4 في المائة في الجولة الأولى من أول انتخابات رئاسية عقب الثورة.
كما ارتفعت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2012، بين الرئيس المعزول محمد مرسي، والخاسر أحمد شفيق لـ51.9 في المائة، أما الاستفتاء على دستور 2012، فقد شهد نسبة مشاركة تُقدّر بـ32.9 في المائة، والاستفتاء على دستور 2014 شهد نسبة 35.6 في المائة. أما في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية 2014، والتي ترشح فيها السيسي، وصباحي، فقد بلغت نسبة المشاركة فيها 47.5 في المائة.
اقرأ أيضاً "لوموند": الانتخابات المصرية "مسرحية" معروفة النتائج مسبقاً