31 أكتوبر 2017
مصر السيسي تتكلم العبرية
من المفارقة أن عرض مسلسل (حارة اليهود) في قنوات التلفزة الموالية لنظام الحكم في مصر، والذي يمثل مظهراً آخر من مظاهر التقارب بين تل أبيب والقاهرة، قد تزامن مع قرار وزيرة الثقافة الإسرائيلية الليكودية، ميري ريغف، عدم تمويل أي عمل فني أو عرض مسرحي يضفي أنسنة على الفلسطيني والعربي. واتخذت قراراً بوقف الدعم عن أحد المسارح في حيفا، بزعم أن عروضه تبدي تفهماً للرواية الفلسطينية. ليس هذا فحسب، بل تحتفي إسرائيل بشكل خاص بالفنانين الصهاينة الذين تنضح أعمالهم بعنصرية مقززة بشكل خاص، فقد اختار رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وزوجته سارة، المطرب المتدين العنصري، عمير بنيون، ليحيي حفلةً أقامها حزب الليكود، بمناسبة فوزه في الانتخابات الأخيرة. وقد كان سبب شهرة بنيون هي أغنيته بالعبرية "أحمد يحب إسرائيل الجديدة"، والتي تصور الفلسطينيين على أنهم "بدائيون، وناكرو جميل، جبناء يحرصون على الطعن في الظهر". وقد اتسعت مجالات عمل بنيون بعد هذه الأغنية، وأصبحت مؤسسات الكيان تتهافت على استضافته لإحياء المناسبات والاحتفالات الرسمية.
عرض مسلسل (حارة اليهود) وتعيين سفير جديد في تل أبيب يندرج في إطار المجاملات بين نظام السيسي والقيادة الصهيونية، فقد تبين أن هذا النظام يعتمد بشكل كبير على إسرائيل في تأمين شرعيته الدولية، فقد كشفت وسائل إعلام ألمانية، أخيراً، أن نتنياهو لعب دوراً مهماً في إقناع المستشارة الألمانية، إنجيلا ميركيل، باستقبال السيسي، على الرغم من اعتراض نخب سياسية وإعلامية ألمانية على زيارته. وما نقله الصحافي الصهيوني، أمير تيفون، في تحقيقه المهم عن العلاقة "الحميمة" بين إسرائيل ونظام السيسي، ونشره موقع "وللا" في التاسع من مارس/آذار الماضي، يعطي انطباعاً بأن ديوان نتنياهو تحول إلى مكتب علاقات عامة لخدمة نظام السيسي، بسبب الخدمات الاستراتيجية التي يقدمها للكيان الصهيوني. ولقد تم إضفاء صفة رسمية وعلنية على الشراكة الاستراتيجية بين نظام السيسي وإسرائيل. فقد كشفت صحيفة "ميكور ريشون"، في عددها، في 29 يونيو/حزيران الجاري، أن وكيل وزارة الخارجية الصهيوني، دوري غولد، الذي زار القاهرة، قبل يوم، اتفق مع كبار المسؤولين المصريين على الشروع في صياغة استراتيجية مشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية التي تشكل خطراً على الطرفين. وتنسب الصحيفة إلى مصدر كبير في الخارجية الصهيونية قوله إن غولد فوجئ تماماً عندما تبين له أن هناك تطابقاً تاماً ومطلقاً في وجهات النظر في تقييم المخاطر الإقليمية، وفي مقدمتها صعود الإسلام (الأصولي). ليس هذا فحسب، بل طمأن أولئك المصريون، على ذمة الخارجية الصهيونية، غولد بأنهم لا يميزون بين الإسلامين، الجهادي والسياسي. وقد هدّأ المصريون من روع غولد، ودعوه إلى ألا يلقي بالاً للتسريبات الإعلامية التي تؤكد أن تحسناً طرأ على العلاقة بين مصر وحركة حماس، وأكدوا له أن مصر ترى في حماس خطراً على أمنها القومي، تماماً كما هو الحال مع تنظيم "ولاية سيناء".
وكان لافتاً بشكل خاص أن موقع "NRG" اليميني الصهيوني نقل عن غولد، المعروف بشكل خاص بتوجهاته اليمينية المتطرفة، قوله للمسؤولين المصريين، بعد أن فوجئ من مدى التطابق في وجهات النظر معهم: "على الرغم من أنكم في مصر تتكلمون العربية، ونحن في إسرائيل نتكلم العبرية، إلا أنكم تتكلمون لغتنا عندما يتعلق الأمر بتقييم الأوضاع والمخاطر الإقليمية".
إذن القاهرة في زمن السيسي تتكلم عبري.