12 نوفمبر 2024
مصر، القاهرة المقهورة
لا يمرّ يومٌ ولا تأتينا من مصر التي نحبّ أخبارٌ أقلُّ ما يقال فيها إنها محزنة، مثيرة للكدر والغمّ، فمصر الهائلة الضخمة، الكبيرة الشاسعة، المقتدرة الخيّرة، الولادة العريقة، تلك التي في دمائنا وأرواحنا وذاكرتنا، بأدبائها وفنّانيها ومفكّريها ومثقفيها، لا تني تضمُر وتنكمش وتتقلّص، إلى درجةٍ بتنا نخشى معها أن تتهافت، فتنهار على نفسها ذات يوم قريب، كما تنهار الثقوب السوداء في كوننا البعيد.
وخشيتنا على مصر آتية، ولا ريب، من شعور قديم، زُرع فينا باكرا، وأفهمنا أنّ حالَ العالم العربيّ لطالما كان من حالها، فحين تكون مصر قوية، نكون جميعا أقوياء بقوتها، وحين تكون متقدّمة متنوّرة عليمة، نكون من نورها وعلمها. أما حين تهتزّ وتتهاوى، فلا بدّ لنا أن نشعر أننا على حافّة الهاوية، آيلين إلى السقوط، وقد فقدنا إحدى أكبر خشبات خلاصنا.
والناظر، هذي الأيام، إلى مصر من بعيد، والمتابع أخبارها بعد ثورة 25 يناير 2011، أو بالأحرى بعد انقلاب الجيش على حكومة الرئيس محمد مرسي لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي، سيشعر أن مصر تحوّلت، في السنوات الأخيرة، إلى محكمة تفتيش عملاقة، وأن عددا كبيرا من مسؤوليها وقضاتها باتوا، في ظل مجالسها الحالية الموالية للنظام، أدواتٍ للاقتصاص من معارضي النظام ممّن "ضلوا طريقهم إلى غياهب الظلامية والإرهاب"، وذلك من خلال إصدار عقوبات بالإعدام بطريقة تعسّفية، ومن دون محاكمات عادلة.
فمنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، جرى إنشاء محاكم استثنائية غير مختصّة للنظر في القضايا السياسية، وهو ما يعدّ خرقا ومخالفةً للدستور المصري، والمواثيق الدولية المُصدّق عليها من مصر، والتي تكفل (وتُلزم) حقّ التقاضي أمام القاضي الطبيعي والمحكمة المُختصّة، وهو ما أدّى إلى استلام دوائر قضائية استثنائية قضايا سياسية، وإصدارها أحكام إعدام، بإجراءات سريعة وموجزة، تفتقد كل ضمانات المحاكمات العادلة، فقد ذُكر أنه "في السنوات الخمس الماضية، قد تمّ إصدار 1056 حكما في محاكماتٍ غير عادلة من إجمالي 1320 حكمًا بالإعدام"، هذا إلى جانب صدور مائتي حكم من القضاء العسكري الاستثنائي غير المعترف به دوليًا، في حق مدنيين تمّت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية.
وإذ يصعب، في بعض الأحيان، توجيه تهمة "الإرهاب" ضد بعض الأشخاص المعروفين، يُخرج النظام من جعبته تهمًا أخرى، مثل ارتكاب كبريات المعاصي، من "خيانة عظمى"، و"إساءة لمصر وتشويه لسمعتها"، و"سوء أخلاق وخدش حياء"، إلى ما هنالك من تهم عشوائية أخرى، أدّت وتؤدّي إلى ممارساتٍ تعسّفية، وانتهاكات لحقوق الإنسان. فها هي نقابة المهن التمثيلية تفصل عضويها، الممثليْن المصريين، عمرو واكد وخالد أبو النجا، من دون أي تحقيق أو إجراءات قانونية يمليها قانون النقابة الذي ينص على "عدم جواز فصل العضو من دون محاكمته تأديبيا من خلال لجنة تحقيق"، وذلك بسبب رفضهما التعديلات الدستورية التي تسمح بتمديد ولاية الرئيس الحالي، وتوجيههما انتقادات للنظام المصري في مجال انتهاكات حقوق الإنسان. وقبل أيام، قرّرت نقابة المهن الموسيقية إيقاف المطربة، شيرين عبد الوهاب عن العمل، مع إحالتها إلى التحقيق، بسبب جملة أطلقتها مازحة في حفلة في البحرين، إذ قالت: "أنا هنا أتكلم بحريتي، في مصر يمكن أن يسجنوني"!، واعتبرت النقابة أن هذا القول يمثل إضرارًا بالأمن القومي.
ولا ننسى الروائي علاء الأسواني، الملاحق قضائيا من النيابة العامة العسكرية، بتهم إهانة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقوات المسلحة والمؤسسات القضائية المصرية، بسبب ما ينشره من مقالات في مجلة "دويتشه فيله" العربية الألمانية، وروايته الأخيرة "جمهورية كأن" التي تروي أحداث ثورة العام 2011. كما لا ننسى شطب الصحافيين المعارضين من نقابة الصحافيين، وشطب المحامين المعارضين من عضوية نقابتهم أيضا، ناهيك عن تهم الإساءة للأخلاق وخدش الحياء التي توزّع هنا وهناك على كتّاب وشعراء وفنانين، تليها جلساتُ إذلال تلفزيونية، يقودها إعلاميون أسوأ وأشرس من رؤساء محاكم التفتيش، ينبغي للمتهم خلالها أن يكفّر عن ذنبه بطأطأة الرأس عارا، والاعتذار والبكاء...
هذا أكثر من الكثير، وهذا مما لا يليقُ بعظمة بلاد النيل، فاصحي أيتها البهيّة، ولتعودي منارتَنا التي تشعّ.
وخشيتنا على مصر آتية، ولا ريب، من شعور قديم، زُرع فينا باكرا، وأفهمنا أنّ حالَ العالم العربيّ لطالما كان من حالها، فحين تكون مصر قوية، نكون جميعا أقوياء بقوتها، وحين تكون متقدّمة متنوّرة عليمة، نكون من نورها وعلمها. أما حين تهتزّ وتتهاوى، فلا بدّ لنا أن نشعر أننا على حافّة الهاوية، آيلين إلى السقوط، وقد فقدنا إحدى أكبر خشبات خلاصنا.
والناظر، هذي الأيام، إلى مصر من بعيد، والمتابع أخبارها بعد ثورة 25 يناير 2011، أو بالأحرى بعد انقلاب الجيش على حكومة الرئيس محمد مرسي لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي، سيشعر أن مصر تحوّلت، في السنوات الأخيرة، إلى محكمة تفتيش عملاقة، وأن عددا كبيرا من مسؤوليها وقضاتها باتوا، في ظل مجالسها الحالية الموالية للنظام، أدواتٍ للاقتصاص من معارضي النظام ممّن "ضلوا طريقهم إلى غياهب الظلامية والإرهاب"، وذلك من خلال إصدار عقوبات بالإعدام بطريقة تعسّفية، ومن دون محاكمات عادلة.
فمنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، جرى إنشاء محاكم استثنائية غير مختصّة للنظر في القضايا السياسية، وهو ما يعدّ خرقا ومخالفةً للدستور المصري، والمواثيق الدولية المُصدّق عليها من مصر، والتي تكفل (وتُلزم) حقّ التقاضي أمام القاضي الطبيعي والمحكمة المُختصّة، وهو ما أدّى إلى استلام دوائر قضائية استثنائية قضايا سياسية، وإصدارها أحكام إعدام، بإجراءات سريعة وموجزة، تفتقد كل ضمانات المحاكمات العادلة، فقد ذُكر أنه "في السنوات الخمس الماضية، قد تمّ إصدار 1056 حكما في محاكماتٍ غير عادلة من إجمالي 1320 حكمًا بالإعدام"، هذا إلى جانب صدور مائتي حكم من القضاء العسكري الاستثنائي غير المعترف به دوليًا، في حق مدنيين تمّت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية.
وإذ يصعب، في بعض الأحيان، توجيه تهمة "الإرهاب" ضد بعض الأشخاص المعروفين، يُخرج النظام من جعبته تهمًا أخرى، مثل ارتكاب كبريات المعاصي، من "خيانة عظمى"، و"إساءة لمصر وتشويه لسمعتها"، و"سوء أخلاق وخدش حياء"، إلى ما هنالك من تهم عشوائية أخرى، أدّت وتؤدّي إلى ممارساتٍ تعسّفية، وانتهاكات لحقوق الإنسان. فها هي نقابة المهن التمثيلية تفصل عضويها، الممثليْن المصريين، عمرو واكد وخالد أبو النجا، من دون أي تحقيق أو إجراءات قانونية يمليها قانون النقابة الذي ينص على "عدم جواز فصل العضو من دون محاكمته تأديبيا من خلال لجنة تحقيق"، وذلك بسبب رفضهما التعديلات الدستورية التي تسمح بتمديد ولاية الرئيس الحالي، وتوجيههما انتقادات للنظام المصري في مجال انتهاكات حقوق الإنسان. وقبل أيام، قرّرت نقابة المهن الموسيقية إيقاف المطربة، شيرين عبد الوهاب عن العمل، مع إحالتها إلى التحقيق، بسبب جملة أطلقتها مازحة في حفلة في البحرين، إذ قالت: "أنا هنا أتكلم بحريتي، في مصر يمكن أن يسجنوني"!، واعتبرت النقابة أن هذا القول يمثل إضرارًا بالأمن القومي.
ولا ننسى الروائي علاء الأسواني، الملاحق قضائيا من النيابة العامة العسكرية، بتهم إهانة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقوات المسلحة والمؤسسات القضائية المصرية، بسبب ما ينشره من مقالات في مجلة "دويتشه فيله" العربية الألمانية، وروايته الأخيرة "جمهورية كأن" التي تروي أحداث ثورة العام 2011. كما لا ننسى شطب الصحافيين المعارضين من نقابة الصحافيين، وشطب المحامين المعارضين من عضوية نقابتهم أيضا، ناهيك عن تهم الإساءة للأخلاق وخدش الحياء التي توزّع هنا وهناك على كتّاب وشعراء وفنانين، تليها جلساتُ إذلال تلفزيونية، يقودها إعلاميون أسوأ وأشرس من رؤساء محاكم التفتيش، ينبغي للمتهم خلالها أن يكفّر عن ذنبه بطأطأة الرأس عارا، والاعتذار والبكاء...
هذا أكثر من الكثير، وهذا مما لا يليقُ بعظمة بلاد النيل، فاصحي أيتها البهيّة، ولتعودي منارتَنا التي تشعّ.